للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولقد ذكر الزمخشري أن معنى يسبح بحمده أنها تسبح بلسان الحال، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها تتعلق بذلك وكأنها تنزه الله عز وجل مما لَا يجوز عليه من الشركاء وغيره، ويقول: إن قوله تعالى: (وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) خطاب للمشركين من حيث إنهم لم يأخذوا بمقتضى دلالة الحال، وما توجبه من إيمان باللَّه وحده.

وفى الحق، إن الزمخشري أخرج النص من ظاهره إلى مجاز صحيح في ذاته، ولكنه بعيد من جهة، ولا ينقل الكلام من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة توجب الخروج، وإلا بتعذر الحقيقة أو يكون في المجاز جمال لفظي خاص يليق بمقام البيان القرآني، وقد فند الناصر كلام الزمخشري بقوله: " ولقائل أن يقول فما تصنع بقوله تعالى: (كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) وهو لَا يغفر للمشركين ولا يتجاوز عن جهلهم وإشراكهم، وإنما يخاطب بهاتين الصفتين (حَلِيمًا غَفُورًا) المؤمنين والظاهر أن المخاطب المؤمنون، وأما عدم فقهنا للتسبيح الصادر من الجمادات، فكأنه والله أعلم من عدم العمل بمقتضى ذلك، فإن الإنسان لو تيقظ حق التيقظ إلى النملة والبعوضة، وكل ذرة من ذرات الكون لوجدها تسبح اللَّه وتنزهه وتشهد بجلاله وكبريائه وقهره، وعندي أن قوله تعالى: (وَلَكِن لَا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ) خطاب لكل من هو أهل للخطاب.

وقوله تعالى:، (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) لَا يعاجل بالعقوبة ويفتح الغفران لمن يتوب، ولو كان مشركًا يتوب عن شركه، كما قال: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ. . .)، وأكد سبحانه وصفه بهذين الوصفين بـ (إن) المؤكدة، وكان الدالة على الاستمرار، وصفة التشبيه الدالة على كمال الاتصاف.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>