للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (٥٨)

" إن " هنا نافية، و " من " لاستغراق النفي، والقرية: المدينة العظيمة التي يبعث فيها الأنبياء، والحصر في الهلاك قبل يوم القيامة، أو العذاب في يوم القيامة، إنما هو في القرية الظالم أهلها الذين يكفرون بالنبيين، والهلاك هو اجتثاثهم في الدنيا بخُسُوف تجعل عاليها سافلها كما فعل بقوم لوط، أو بريح صرصر عاتية، كما فعل بعاد وثمود، أو بالغرق كما فعل بقوم فرعون وملئه، وغير هؤلاء، هذه هي الحال التي يكون فيها الاستئصال وقطع الدابر، وذلك يكون قبل يوم القيامة الحالة الثانية أن يتركوا في الدنيا يعصون ويفسدون ويرتكبون المآثم، وأولئك لَا يهلكون في الدنيا، ولكن يعذبون في الآخرة عذابا شديدا، (كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا) والكتاب هو اللوح المحفوظ الذي يسجل فيه ما يقضى به بين عباده.

وإن هذا التنويع لحكمة اللَّه تعالى وتقديره، فإنه إذا كانت الدعوة خالدة باقية، وهي دعوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - استأنى بهم لأن فيهم الطائعين، وليسوا قليلين، وفيهم من طغى وبغى، وفي ذرية الذين عاصروا النبي - صلى الله عليه وسلم - من كانوا مجاهدين كعكرمة ابن أبي جهل، وكخالد بن الوليد، وغيرهم ممن كان لهم في الجهاد باع مشهور، وقوله: (إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا) أو (معذبوها) فيها تنوع حالهم، (أَوْ مُعَذِّبُوهَا) و " أو " مانعة خلو، لَا مانعة جميع، فكان منهم من أهلكوا قبل يوم القيامة ومن عذبوا بعدها، وأمة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يهلكها اللَّه بعاصف يقتلعها من الأرض، ولكن أهلك العصاة لينالوا عذاب الآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>