للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) التكريم يتناول التكريم الأول بأمر الملائكة بالسجود لآدم، فإن ذلك تكريم للخلق الإنساني منذ الابتداء، وليس معناه أن كل إنسان أكرم عند اللَّه من الملائكة، بل معناه أن آدم ذاته قبل أن يعصي كان مستحقا للكرامة فوق الملائكة، ولكنه بعد ذلك عصى آدم ربه فغوى، وهذا يشير إلى أن آدم يستحق الكرامة التي كرمه بها إلا إذا عصى.

وإن تكريم اللَّه للإنسان ابتداء كما رأيت منذ النشأة الأولى، ثم كان من تكريمه أن خلقه في أحسن تقويم، ثم كان من تكريمه أن أعطاه سبحانه وتعالى العقل المميز، ثم كان من تكريمه أن جعل له إرادة يختار بها الخير والشر فيعلو عن الملائكة إن اختار الخير، وذلل كل الصعوبات التي تعترض طريقه، ثم كان من تكريمه أن سخر له السماوات والأرض والنجوم وصار كل من في الوجود له، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا. . .).

وذكر اللَّه تعالى من تكريمه أنه تمكن من الأرض يُحمل فيها بالركائب التي سخرها له من بغال وحمير وخيل مسوقة وغير مسوقة وجِمالٍ له فيها جَمَالٌ حين تريحون وحين تسرحون، وكان حمله في البحر بالفلك المشحون كما ذكر سبحانه في آيات أخرى.

وإن الحمل في البر يدخل فيه الحمل في الجو بالطائرة التي تسبح في الهواء كما يجري الفلك في الماء، كما قال تعالى: (. . . وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمونَ)، وقوله تعالى: (فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ ممَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) وإن كل المخلوقات التي لم تؤت مثل ما أوتي ابن آدم من عقل مدبر وإرادة للخير والشر وابتلاء بالخير والشر، كما قال تعالى: (. . . وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتنَةً. . .)، كل هؤلاء فضل الإنسان عليهم بالفعل والتمييز والإرادة لما يفعل وتحمل التبعة.

وقوله تعالى: (مِمَّنْ خَلَقْنَا)، (من) بمعنى بعض وهم كثرة، فالإنسان من بين ما خلق قليل محدود، وغيره كثير غير محدود، وإن هذه الكرامة يستحقها

<<  <  ج: ص:  >  >>