للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: (وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ) الدابة كل ما يدب على الأرض من الحيوان كما قال تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا. . .)، وبث أي فرقها ونشرها من أنعام وإنسان وطير وغير ذلك من الحيوان، فإن ذلك كله من الماء الذي ينزل من السماء سواء أكان سيلا يسيل، أم نهرا يجري، أم عينا تختزن فيها مياه الأمطار في باطن الأرض، ولقد قال تعالى: (. . . وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ)، والآية في ذلك أن الماء به الحياة، والله تعالى منزله ومجريه ولو شاء ما كان في الناس هذه الحياة من كل زوج بهيج.

وقوله: (وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ)، معناه إرسالها على غير صورة واحدة، فقد تكون عقيما، وقد تكون مملوءة ماء، وقد تكون عاصفا وقد تكون رخاء، وتكون حارة أحيانا وباردة أحيانا، وقد تجيء من الشمال وقد تكون من الجنوب ومن الشرق أحيانا، ومن الغرب أحيانا أخرى، وفي مقدار تسييرها للسفن الجاريات في البحر ما بين كبيرة وصغيرة ودافعة ورافعه، وإن ذلك كله بتقدير العزيز العليم، وقد يقولون: إن ذلك كله يكون تابعا لسنن كونية آتية من حرارة الأرض أو برودتها، وإن ذلك لحق، ولكن من الذي سن هذه السنن الكونية؛ إنه هو الله تعالى، وهو قادر على تغييرها، وهذه آية من آيات الله تعالى في الكون، وفيه بيان قدرة الله تعالى وحكمته العالية.

وإن الله تعالى نصر نبيه بالريح في غزوة الخندق، وقد روى ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " نصرت بالصَّبا، وأهلكت عاد بالدَّبور " (١)، ولقد قال تعالى في غزوة الخندق: (فَأرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا. . .)، وكل خواص الرياح من آيات الله تعالى الدالة على وحدانيته وانفراده بالخلق والتكوين وذلك يقتضي انفراده تعالى بالعبادة فلا يعبد سواه ولا إله إلا الله.


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: كتاب الجمعة (٩٧٧)، ومسلم: كتاب الاستسقاء (١٤٩٨) عن ابن عباس - رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>