للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاعتبار وبيان الأحكام والقصص والعبر، وإيجاز وإطناب من غير فضول أو تطويل، وزجر وترغيب وترهيب، فمعنى قوله تعالى: (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ)، أي من كل حال من أحوال الهداية والرحمة وشفاء الصدور مما يجعل الحق واضحًا بين أيديهم، فأتى سبحانه فيه بضروب البيان والمعرفة والهداية مما لم يجعل موضعا لريبة مرتاب، أو مراء من القول، ولكن الكافرين أثاروا القول حوله فمرة قالوا: إنه سحر، وأخرى قالوا: إنه شعر، وثالثة قالوا: أساطير الأولين، ورابعة قالوا: علَّمه بشر، وهكذا كانت لهم أقوال باطلة فيه بمقدار ما تثيره أهواؤهم، ويثيره جدلهم، ولذا قال تعالى: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)، أي أكثر شيء من شأنه أن يجادل ويماري جدلا، وهي منصوبة على التمييز كما هي في قوله تعالى: (أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا)، أي أن الإنسان أكثر ذوي الألسنة والقول جدا، فهو أكثر جدلا من الملائكة وغيرهم، بل إن الملائكة لَا يجادلون.

وإن الجدل من شأنه أن يضيع الحقائق بين المتجادلين، وأن تتبعثر الحقائق على الأفواه، فلا يضبط قول، ولا يستقيم فكر؛ ولذلك كان العلماء الربانيون ينهون عن الجدل، وأشد من عرف بذلك الإمام مالك؛ لأن مثارات الجدل هي مثارات الشيطان، وإن الناس دائما يثيرون الجدل حول رسالات المرسلين، ولا يقطع جدلهم إلا أن يأتيهم الهلاك أو العذاب، ولذا قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>