للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لم يستخرج، وقد أراد الله تعالى أن يستخرج كنزهما، وهذا قوله تعالى: (فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا)، والأشد هو القوة، وقد شرحنا اشتقاقه، أي أن يبلغا قوتهما في الجسم والعقل، والرشد في التعامل (وَيَسْتَخْرِجَا كنزَهُمَا)، واستخراج الكنز طلب إخراجه، والعمل على ذلك منهما أو من غيرهما ممن له صلة بهما، فالسين والتاء للطلب، وذكر إرادة اللَّه دون إرادته هو، وإن كانت إرادته تابعة لإرادة اللَّه سبحانه وتعالى؛ لأن هذه الإرادة الإلهية متعلقة بأمر في المستقبل يتصل بالتكوين وهو بلوغ الأشد، وأن يحصلا على كنزهما بعد محاولة استخراجه ببذل ما يبذل في سبيل ذلك عادة (رَحْمَةً مِن رَّبِّكَ)، أي لأجل الرحمة من ربك الذي هو الحي القيوم الذي يرب الوجود جميعا، أحياء وغير أحياء.

وهنا نجد أن إقامة الجدار كان لأجل استخراج الكنز، وإن ذلك لَا يتم فيما يظهر إلا بهدم الجدار أولا ليظهر ما تحته من كنز، ثم إقامته من جديد بعد كشف ما تحته.

ثم أشار العبد الصالح إلى أن ذلك بأمر الله وتكليفه فقال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)، أي ما فعلته صادرا عن أمري، بل منفذا أمر الله، وليس لأحد أن يعترض على أمر اللَّه تعالى: (ذَلِكَ تَاوِيل مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)، أصلها ما لم تستطع صبرا عليه، حذفت التاء تخفيفا في النطق إذ يصعب النطق بالتاء التي يعقبها الطاء لتقاربهما في المخرج، ولم تحذف في (لَن تَسْتَطِيعَ)؛ لأنها متحركات بخلافها هنا فالأولى مفتوحة والثانية ساكنة، الإشارة إلى معرفة المآل في سر خرق السفينة وقتل الغلام، وإقامة الجدار، وإن ذلك من أمر اللَّه تعالى؛ لأنه يتعلق بالغيب، ولا يعلم الغيب إلا اللَّه ومن يتكلم عن الغيب إنما يأخذ من علم اللَّه الذي علمه بعض عباده الصالحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>