للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويدخل في ذلك ما ذبح على النصب التي كانت تقام للأوثان وتذبح الذبائح عليها.

وقد بين سبحانه وتعالى أن ذلك عند الاختيار، وأما عند الاضطرار فإنها يرفع عنها الإثم؛ ولذا قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) أي من كان في حال ضرورة، بحيث تتعرض الحياة للهلاك إذا لم يأكل شيئا من هذه المحرمات، فإنه لَا إثم عليه إذا أكل، ويكون واجبا عليه أن يأكل إن لم يجد غيرها؛ لأن ضرر الموت أشد من ضرر الأكل، والضرر القليل يتحمل في سبيل دفع الضرر الكبير، ولقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - حال الضرورة لمن سأله عن ذلك، فقال: " أن يأتي الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله " (١)، ولقد قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

ولقد قيد الله تعالى رفع الإثم، فقال تعالت كلماته: (غَيْرَ بَاغِ وَلا عَادٍ) أي غير طالب لها تبتغي إشباع رغبتك، كأن يكون في عطش شديد ولم يجد إلا خمرا، فيشربها مبتغيا لها لَا يقصد دفع الضرورة ولكن يرغب فيها، وكمن يكون في حال ضرورة فيكون بين يديه الميتة والخنزير فيبتغي الخنزير اشتهاء له ورغبة فيه، ولا عاد أي غير متجاوز حد الضرورة، والضرورة تدفع بأقل قدر فلا يتجاوزه، فيتعدى ما رفع الله تعالى الإثم عنه.

وروي عن مجاهد وابن جبير أنهما قالا في معنى باغ وعاد، غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم، فيدخل في الباغي والعادي الخارج على السلطان العادل وقاطع الطريق، وبهذا أخذ الشافعي في أحد قوليه فمن كان مضطرًا للطعام ولا يجد


(١) عن أبي واقد الليثى قال: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض تصيبنا بها مخمصة، فما يحل لنا من الميتة؛ قال: " إذا لم تصطبحوا، ولم تغتبقوا، ولم تحتفئوا بقلا فشانكم بها ". رواه أحمد في مسند الأنصار (٢٠٨٩٣)، والدارمي في الأضاحي (١٩١٢) والحاكم في المستدرك (٧٢٣٤) وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
والمخمصة: المجاعة والشدة، والصَّبوح: شرب أول النهار، والغبوق: شرب آخر النهار، أي اللبن، ثم توسعوا فأطلقوه على الطعام أول النهار وآخره، وهو مقصود الحديث، وتحتفئوا: تقتلعوا فتأكلوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>