للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتَرَقَبُ. . . .). وقد نقول: إن الغم كان من الأمرين، عن نفسه اللوامة التي أوجدت كمدا وغما، ومن الخوف من فرعون، أو من الناس وقد قتل منهم واحدا.

المظهر الخامس من منة الله على موسى الكليم عليه السلام عبَّر الله تعالى عنه بقوله تعالى: (وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا)، أي اختبرناك اختبارا شديدا، و " فتون " مصدر " شكور "، ويكون مصدر التوكيد الفتنة التي فق الله تعالى موسى، ويضح أن تكون جمع فتن، أما أن الله تعالى أصابه بأنواع من الفتن، ففتنة الاحتياج، وفتنة الغربة، وفتنة العمل، وهو الذي كان مرفَّهًا مترفًا في بيت فرعون.

ولكن كيف يكون فتنة الله تعالى له فتنونًا أو بأصناف الفتن مظهر المنة، أو منة؛ ونقول في جوابنا عن ذلك: إن موسى عليه السلام تربى في بيت فرعون، فاكها في نعيمه، وإن ذلك لَا يكون منه نبي، بل لابد أن يعرك الحياة وتعركه، ويعيش بين من يستمع إلى أنينهم، ولابد أن يبتلى ليصل إلى مقام النبوة أو الإرهاص لها، وذلك بأن يفتن بالفتن ويختبر بالحرمان، وقد أدى موسى ذلك ونجح في الاختبار، ولذلك عُدَّ مظهرا من مظاهر المنة وأي منَّة أعظم من أن يهيئه الله تعالى للنبوة، ويخرج من دار فرعون ليجيء إليه نبيا رسولا ينذره بالنذر، ويقدم له الآيات تَتْرى آية بعد آية.

ثم قال تعالى مبينا نتائج هذا الاختبار أنه سبحانه نقله من بيت فرعون إلى بيت رجل صالح، ومن أنه كان يأكل من ترف فرعون في عيشة رخوة غير راضية، فانتقل إلى حياة عاملة كادحة باجَلٍ من جهد مستمر مع شعيب، وقال تعالى:

(فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) وهي من أرض سيناء على بعد ثماني مراحل من مصر.

(الفاء) في قوله تعالى: (فَلَبِثْتَ) عاطفة وهي للترتيب والتعقيب مع الإشارة إلى السببية في الفاءات الثلاث، فكان قتل النفس سببا للغمِّ، فنجَّاه الله تعالى منه ثم اختبره الله تعالى ليعدَّه للنبوة، ثم استقر به المقام في آل مدين عاملا كادحا، وصار ذا زوج طاهرة وبيت وأولاد يحمل أعباءهم. وبذلك قامت أصهار نبوته،

<<  <  ج: ص:  >  >>