للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ ... (٥٨)

وهنا يجب الالتفات إلى كلمة قالها في هذه الحَومة من الجدل، فلقد نادى موسى قائلا (يَا مُوسَى) استدرارا لمحبته، وتذكيرا له بسابق تربيته بينهم، إذ قال من قبل (. . . أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)، وهذا يدل على فزعه واضطرابه وتلمس الأمن من أي جانب يكون فيه أمن واطمئنان، ولقد أقسم بما يقسم به عندهم، موثقا قوله عليهم مطمئنا إليهم (فَلَنَأتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مثْلِهِ) " الفاء " للسببية، أي بسبب سحرك لنأتينك بسحر يماثل سحرك، أقسم على قومهم استحثاثا لهممهم واستدرارًا لمعونتهم في هذا الكرب النفسي، وأكد قوله بـ " نون " التوكيد، وبـ " لام " القسم، وقال (مِثْلِهِ) شعورًا بالضعف، وأنه لَا يزيد عليهم فهو ليس عنده طاقة بالزيادة، ولذلك أراد اللقاء في معركة، ولم يجرؤ على أن يعين هو مكانها وزمانها وترك لموسى أن يعد الأمر ويبين الموعد، فقال: (فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى)، تلطف فرعون الجبار مع موسى الكليم ففوض إليه أن يختار هو الزمان والمكان الذي تكون فيه المغالبة بين سحرهم وعصى موسى، ولا شك أن هذا التلطف كان يمكن أن يكون مطمعا للإيمان، لولا الملك وطغيانه، وأن مصر بلد السِّحر، وأن سحرتها كانوا علماءها، وقوله: (موْعِدًا لَّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى) (مَوْعِدًا) مفعول بـ (فَاجْعَلْ) وكذلك (مَكَانًا) وسُوًى) أي مكانا عدلا ووسطا بين الفريقين لَا يشق علينا ولا عليك، وهو صالح

<<  <  ج: ص:  >  >>