للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي أن عليا كرم الله وجهه دخل على رجل يعوده، فقال الرجل: أوصي؟

فقال الإمام كرم الله وجهه: " قال الله تعالى: (إِن تَرَكَ خَيْرًا) إنما تركت شيئا يسيرا فاتركه لأولادك " (١).

ويفهم من هذا أن المراد بالخير المال الكثير، وتقديره نسبي بحسب حال الورثة وحاجتهم وعددهم؛ ولذلك اختلف الصحابة في تقدير الكثرة فمعظمهم قدرها بما فوق الستين دينارا، وقدرها بعضهم بثمانين دينارا فأكثر، وروي عن قتادة أنه قال: ألف فما فوقها، أي من الدراهم. وهكذا نرى أن الكثرة من علماء الصحابة فسروا الخير بأنه المال الكثير الذي يتناسب مع حاله وحال ورثته وعددهم وأن أحدا من الصحابة لم يفسره بأنه أي مال.

ولم يقدر مقدار الموصى به، ولا دليل على تقدير قدر معين له، وقد ترك التقدير لتحقيق كلمة بالمعروف، أي الأمر الذي لَا تستنكره العقول، وتعرفه وتقر به، وتعبير القرآن الكريم في قوله: (بِالْمَعْروفِ) يدل على ما لَا يستنكر في العرف والعادات، المستقيم الذي يضع الأمور في مواضعها ويزنها بميزان الحق.

وقوله تعالى: (لِلْوَالِدَينِ وَالأَقرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ) وقد ذكرنا معنى بالمعروف، وقد كان النصب يوجب على من يقول بالوجوب الوصية للوالدين والأقربين وذكر الوالدين أولا؛ لأن الله تعالى أوصى بالإحسان إليهما وأكد الإحسان ولو كانا مشركين وقال تعالى: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا معْرُوفَا. . .).

والأقربون من الأقارب هم الذي تدنو قرابتهم أكثر من غيرهم كالإخوة والأخوات والأبناء والبنات، وغيرهم من ذوي العلاقات المباشرة بالقرابة كالعم وابن الأخ.


(١) رواه البيهقي: كالسابق (١٢٧٢٦) عن هشام بن عروة، بلفظ: إنَّ الله تَعَالَى يقولُ: (إِن تَرَكَ خَيْرًا الوَصيَّة. . .)، وإنَّكَ إنما تَدعُ شيئا يسيرا، فَدَعْهُ لِعِيَالكَ، فإنهُ أفْضَلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>