للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كافِرُونَ)، و (بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ) أي تذكير الرحمن لهم فهو من إضافة المصدر إلى فاعله (كَافِرُونَ) أي جاحدون، وهنا أمران يجب الإشارة إليهما:

أولهما - تقديم (بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ) على (كَافِرُونَ) وهو يدل على التخصيص، أي هم بذكر الرحمن وحده كافرون فهم كافرون بالوحدانية.

الأمر الثاني - ذكر الله تعالى موصوفا بصفة الرحمن، وفي ذلك إشارة إلى أن بعث الرسل وخصوصا محمدا - صلى الله عليه وسلم - هو من الرحمة، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، ونقول: إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مهينا، وإن كان متواضعا وديعا، متطامنا موطأ الكنف ولكنه كان ذا هيبة إذا اشتدت سخريتهم، يروي عبد الله بن عمرو بن العاص عن يوم من أشد الأيام التي لقيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من المشركين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يطوف بالبيت والملأ من قريش بفناء البيت، فكان إذ مر بهم وهو يطوف غمزوا بالقول، فبدا أثر ذلك في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى إذا أتم الطواف التفت إليهم وقال: " شاهت هذه الوجوه، وأرغم الله هذه المعاطس، يا معشر قريش لقد جئت بالذبح "، فما كان إلا من يقول يرفؤه بأحسن القول، ويقول: اذهب أبا القاسم موفورا ما علمنا عنك إلا خيرا (١) فكان عليه السلام مهيبا، ولم يكن مهينا، ولكن تطامن ليدخل الناس في الدعوة مختارين اختيارا كاملا لا رهبة فيه.


(١) رواه أحمد: مسند عبد الله بن عمر بن العاص (٧٠١٦)، وابن حبان في صحيحه (٦٤٥٣) ٦/ ١ ٢٠، وراجع مجمع الزوائد، والبداية والنهاية - فصل في أشد ما صنعه مشركو قريش برسول الله ٣/ ١٧٨، وتاريخ الطبري ١/ ٨٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>