للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علا واستغلظ أو صار كالأول سلَّمَه ورد الغنم إلى صاحبها وكان صاحب الحرث قد أخذ عوض التأخير بدرِّ الغنم ومنافعها.

وفى هذا الجزاء مقاربة للعدالة والمساواة وفيه تعاون، وفيها فائدتان:

الأولى: أن يكون فضل تعاون، والثانية: أنه مساواة أو مقاربة من المساواة.

وقد أثبت علماء البحث في العصر الحاضر أن أقرب الجزاء إلى تهذيب النفوس أن يكون العقاب من جنس الاعتداء؛ لأنه يجعل الجاني أو المهمل يحس بالجزاء وهو يقع في الجريمة أو الخطأ، فيكون ذلك أدعى إلى الامتناع أو التوقي.

وإن قصة هذا الحكم إرشاد للحكام إلى أقرب الطرق إلى تحقيق العدالة في هذه الدنيا، وقال تعالى فيما مكن الله به لداود، فقال عز من قائل: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكنَّا فَاعِلِينَ) كرم الله تعالى داود بأمرين: أولهما: أنه سخر له الجبال تتحرك بإرادته وتسكن، وتسبح بأمره عليه السلام، ولسنا نستغرب شيئا من ذلك لأننا نؤمن بالقوة الغيبية، يبثها الله، ولا يماري فيها إلا الذين لَا يؤمنون إلا بالمادة وظواهرها، وكذلك سخر الله تعالى له الطير، وروي أن الجبال كانت تجاوبه في تسبيحه، وكذلك الطير، ولا غرابة فقد قال الله: (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَات وَمَا فِي الأَرْضِ. . .)، وقال تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ. . .)، وقال الله في داود: (. . . يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ)، أي أن هذه إرادة الله، ولا مشاحة (١) له فيما يريد، وقال تعالى:


(١) والمُشاحَّةُ: الضِّنَّةُ. وتشاحَّا على الأمْرِ: لَا يُريدانِ أن يَفوتَهُما، وتشاحَّ القومُ في الأمْرِ: شَحَّ بَعْضهُم على بعضٍ حَذَرَ فَوْتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>