للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك لأن الدنيا تكون قد فسدت واضطربت فيها موازين، واستحكم الشر، فمنذ الغزوات المغولية، والعالم يموج بالشر، ويمرج بالفساد، فجاءت بعده الغزوات الصليبية الشرسة، ومن بعدها تكون شذاب العالم (١) في القارتين الأمريكيتين، وأعطيت الشمالية علم إبليس وعقله، وخلقه الشرير، واتخذت الذرائع التي يمكن بها إبادة العالم، ولا ضمير يمنع، ولا زاجر يردع، وهي من وقت لآخر تهدد بالفناء، حتى صار العالم قاب قوسين من أن ينزل به أشد الخراب بفعل الإنسان، ولعل قيام القيامة يكون بإرادة من الله، ويسخر لها عملا من أعمال الإنسان، وقد ابتدأ الخراب بفتح السدود أمام يأجوج ومأجوج، وختم بإخوانهم الأمريكان الذين لم يدعوا قائما من الأخلاق والفضيلة حتى قوضوه.

وقد صور حال الناس عند البعث وقيام القيامة، وقد اضطرب الوجود، (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَار الَّذِينَ كفَرُوا) " الفاء " واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا جاء الوعد الحق فإذا. . .، فـ " الفاء " و " إذا " الفجائية جواب هذا الشرط المقدر وهي للحال، أي فإذا الحال شاخصة أبصار الذين كفروا، أي واقفة أعينهم لَا تتحرك، فمعنى شخوص العين أنها تفتح فلا تطرف، وذلك يكون في حال الفزع والهلع، وهذا تصوير لحالهم من الفزع فقد شبهت حالهم بحال من تكون أبصارهم شاخصة هلعا وفزعا، والجامع بينهم الفزع.

وذكر الموصول (الَّذِينَ كَفَرُوا) للإشارة إلى أن سبب فزعهم كفرهم، فهو فزع لا يعرف له نهاية لسوء ما قدموا، ولسان حالهم يقول: (يَا ويْلَنَا) فهذا مقول لقول محذوف مفهوم من حالهم، فهم قائلون بلسان الحال: يا ويلنا، ينادون ويلهم، كأنهم ينادون الهلاك؛ لأن هذا وقته، فهم بهذا يتوقعون الهلاك وينادونه كأنهم يستعجلونه، إذ إن من يكون في حال فزع وهلع يرون أن تزول هذه الحال، ولو بنزول الهلاك العاجل؛ لأن حال الانتظار أشد على النفس وقعا وبقاءها مرير مع الهم الشديد.


(١) رجل شَاذَبٌ إِذا كان مُطَرَحا، مأيوسا من فَلاحِهِ كأنه عَرِيَ من الخير، شبه بالشَّذَبِ، وهو ما يُلْقَى من النخلةِ من الكَرانِيفِ وغير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>