للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال - الله تعالى في ابتدائه (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ)، ويريد سبحانه بالشهر هنا هلال رمضان، وشهده أي حضره ورآه، وعبر عن الهلال بالشهر؛ لأن العرب كانت ترى الهلال ويراد الشهر عرفا عندهم، وهذا في الأصل مجاز، والمجاز إذا اشتهر صار عرفا وإطلاق الشهر وإرادة الهلال من قبيل إطلاق المسبب وإرادة السبب، وذلك من علاقات المجاز المرسل؛ لأن الهلال أمارة ابتداء الشهر فكان جاريا مجرى السبب، ولأن الاعتبار بالرؤية، والرؤية لَا تكون إلا لمحسوس والشهر عدد من الأيام يعد بالحساب، وذلك معنى نعيش فيه ولا نراه، والهلال هو الذي يرى فكان التعبير بالشهر عنه تعبير بالمدلول على الدال الذي يرى ويعلن الابتداء.

وإذا كان الهلال دليل الابتداء فهو الذي نيط به الوجود، فيكون دليلا على الانتهاء، برؤية هلال الشهر فهو دليل الابتداء والانتهاء معا، ولقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك، فقال: " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن كم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " (١) وهذا النص يدل على أمرين:

أولهما: أن الصوم يجب عند رؤية الهلال، في ابتداء الشهر، والفطر عند رؤية هلال شوال أي الشهر الثاني، وإنه إن غم أولا أو آخرا فتكمل العدة ثلاثين يوما، فإن غم الهلال أولاً أكمل عدة شعبان ثلاثين وذلك بعد ارتقاب الهلال في التاسع والعشرين من شعبان، فتكمل ثلاثين إن غم، وكذلك هلال شوال إذا غم تكمل عدة رمضان.

الأمر الثاني: الحديث يدل على أن الهلال واحد، وذلك أنه القمر في أول منازله، والقمر واحد، في كل الشهور وفي كل شهر يتغير من هلال حتى يصير بدرا، ثم يتغير من بعد ذلك حتى يكون المحاق، ويرتقب من بعد ذلك الهلال، فالأخير، والأول واحد.


(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري: الصيام (١٧٧٦)، ومسلم (١٨١٠) بنحوه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وبلفظ المصنف - رحمه الله - أخرجه النسائي عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كتاب الصيام - ذكر الاختلاف على عمرو بن دينار (٢٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>