للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وحق الجهاد ألا يرفع السيف في سبيل الدعوة الإسلامية إلا إذا تعذرت الإجابة بالتي هي أحسن، وإلا بعد البيان، ومحاجزة أهل الباطل بين الدعوة المحمدية والناس، ولذلك كان الجهاد في الإسلام ليس للشعوب، ولكن لمعسكر السلطان الذي يحول بين الدعوة الإسلامية والشعوب، وإذا وصلت الدعوة إلى الشعوب فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما ربك بظلام للعبيد، فلا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي.

ويقول سبحانه مشيرا إلى الحقائق الإسلامية، ومبينا أن الأمة الإسلامية هي المختارة لهذه الدعوة فقال تعالى: (هُوَ اجتَبَاكمْ)، أي اختاركم من سائر الناس، أي اختاركم واصطفاكم، ونقول هنا: هذا خطاب لكل المسلمين على أنهم الأمة المختارة للتوحيد والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، أم أن المخاطب هم العرب على أساس أن البعثة المحمدية كانت فيهم، وأن اللَّه اختار نبيه منهم، وأنهم الذين حملوا الدعوة، وقد بينا لماذا كان الاجتباء في كتاب خاتم النبيين.

ومعنى (اجْتَبَاكمْ)، من الجَبْي بمعنى الجمع، يقال: جبى الخراج، بمعنى جمعه، واجتباه، افتعال من جبى، فهو سبحانه وتعالى جمع الناس جمعا كاملا، وخص بعض هذه الجموع بالخير، فكان المجتبي، وإن اللَّه تعالى اجتبى العرب أو المسلمين بعامة، ليكونوا حاملي الدعوة، والمجاهدين ابتداء في سبيلها، ومنع المحاجزات التي تعترض طريقها بكل طرق الجهاد، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " جاهدوا المشركين بأنفسكم وأموالكم، وألسنتكم " (١).

وقد أشار سبحانه وتعالى إلى أعذار الجهاد، فقال عز من قائل: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِن حَرَجٍ) ومع أن هذا النص يشير إلى أن الجهاد مفروض على كل القادرين يشير إلى أصحاب المعاذير كالذين في قوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ


(١) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>