للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإدلاء إلى الحكام، وقد وردت قراءة أُبيّ بزيادة " لا "، وهي أقرب إلى أن تكون تفسيرا، ومهما يكن فإن النهي ثابت عن الإدلاء، كالنهي عن الأكل؛ لأنه ينتهي إلى أكل للمال بالباطل، فالآية تنهى عن الأكل الظالم سواء أكان في ضمن التعامل الآثم بينكم، أم كان بالاستعانة بالحكام، بتضليل القضاء، أو بتحويل الحاكم عن الإنصاف بسحت من المال يقدم.

والإدلاء في أصله إلقاء الدلو في الماء ليحمل الماء إليه من البئر، أو من حفرة فيها ماء، ثم أطلق على إرسال أي شيء يأتي بما يفيد، وأطلق على الذي يحتج على غيره، أدلى بحجته لأنه أرسلها، ليأخذ الحق من غيره، ويقال أدلى بنسب إنما اتصل بالنسبة.

ومعنى أدلى إلى الحكام بالمال، أي أنهم يقدمونها للحكام الآثمين، من نسقه الذين يجلسون في مناصب القضاء، أو الحكام الذين يملكون العطاء والمنع، أو يملكون القسمة بين الناس، ومعنى الإدلاء بالمال على هذا تقديم المال لهؤلاء ليعدلوا بهم عن قسمة الحق إلى القسمة الضيزى التي تمنع الحق، وتقرر الباطل. . والرشوة لها صور شتى، فمرة تكون بإِعطاء المال لتحول من هو في منصب القضاء عن العدل، أو بالإهداء، أو بالضيافة، أو بأداء الخدمات حلالها وحرامها، أو بمقارضة الظلم، كأن يظلم في قضية لمجلس في منصب القاضي، ليظلم في قضيته وكل ذلك استخدام للمال، أو ما يقوم مقامه من أداء أمور تقوم بمال أو لَا تقوم بمال وفيها نفع واضح.

هذا تفسيو قوله تعالى: (وَتُدلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لتَأكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بالإِثْم) أي أكلا متلبسا بالإثم، وأنتم تعلمون أنه إثم، لَا حق لكم في أكله، وهذا تَاكيد لمعنى الإثم والظلم واكل أموال الناس بالباطل، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لعن الله الراشي والمرتشي " (١).


(١) " لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي، رواه الترمذي. الأحكام - ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم (١٢٥٧) عن عبد الله بن عمرو، وقال: حديث حسن صحيح، كما رواه أبو داود، وابن ماجه، وأخرجه أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص (٦٢٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>