للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثانيها - القسطاس المستقيم الذي يكون ميزان الأشياء، وحكم الموازنة فيها.

وثالثها - أنه يقدر خير الأمور بأنه ما يكون باقيا، ولو كان في آجل. على هذا لَا يمكن أن يكون الحق متفقا مع الأهواء، وخصوصا أهواء العرب

التي أشرنا إلى بعضها؛ ولذا قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَق أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ). أما فساد السماوات فلأنها قائمة على تماسك أجرأهما بأركان قوية منتظمة لَا تتخلف، ولو كانت خاضعة لأهواء أهل الشرك لتزايلت؛ لأن أهواء أهل الشرك تفرق المجتمع، كما كانت الحال بينهم، وأما الأرض فلأنها تعمر باستنباط خيرها، وتعرُّف إصلاحها والغرائز الإنسانية التي تمد النفوس بشهوة الغلب، وشهوة الجنس، وشهوة المال، وشهوة السلطان والتحكم، وإذا حكمت هذه وأشباهها، فإن الحاكم يعجل بفنائه، ولولا رحمة من ربك ببقاء سلطان الحق ولو في الأقوال دون الأفعال، لآذنت الدنيا بخراب، قال تعالى في بيان أن الرسل جميعا جاءوا بالحق وميزانه: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢٥).

(بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكرِهِم مُعْرِضُونَ) بل للإضراب عن توهمهم أن الحق يساير أهواءهم، وأتيناهم بما بذكرهم الحق، ويبعدهم عن أهوائهم ويذكرهم بمعنى التذكير، وهو من إضافة المصدر إلى مفعوله، أي جئناهم بما يذكرهم، وينبههم إلى خلل تفكيرهم وبعدهم عن الحق وسيطرة أهوائهم (فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ) و " الفاء " لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فرتبوا النقيض على نقيضه، وبنوا إهمال التذكير على التذكير، وذلك من ضلال العقول، فرتبوا الإعراض على التذكير. اللهم اكفنا شر ضلال الأهواء، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعوهم إلى الحق الخالص، لَا يسألهم أجرا، ولا جزاء ولا سلطانا؛ ولذا قال تعالى:

(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٧٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>