للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمر الثالث: أن الشهادات في اللعان يمين فلا يشترط فيه إلا صلاحية العبادة باليمين، بأن يكون بالغا عاقلا، أم أنها شهادة وليست يمينا مجردة، بل الشهادة جزء من أجزائها، فيشترط فيها ما يشترط في الشهادة من أن يكون بالغا عاقلا مسلما حرا.

بالأول أخذ مالك والشافعي وأحمد، ولذا لَا يشترط في اللعان أن يكون المتلاعنان مسلمين حرين، فلا يجوز اللعان بين الذميين، ولا العبيد، بل يجب التلاعن في الذميين، وغيرهم، وذلك القول يجعل الجماعة الإسلامية نزيهة عن قول الباطل، وعن سماعه من الذميين، والعبيد، وهذا القول كما ترى مبني على أن هذه الشهادات أيمان خالصة.

والقول الآخر، أنها شهادة فيها يمين، وقد قال أبو حنيفة، وقول عند الشافعي، فلا لعان عند هؤلاء بين الذميين ولا بين العبيد، ولا لعان إذا كان أحد الزوجين ذميا أو عبدا.

الأمر الرابع: أن الثقة دعامة العلاقة بين الزوجين، فإذا عرض لها ما يزعزعها انفصمت العلاقة الزوجية وأصبح الزواج حراما وبينهما اللعان ويفرق بينهما، وهي فرقة أبدية لَا يحل له أن يتزوجها، وتكون كحرمة المشركة والمشرك، وعلى هذا جمهور الفقهاء.

وقال أبو حنيفة: إنها تحرم عليه إلى أن يكذب نفسه، فإذا كذب نفسه حلت له، وحُدَّ حد القذف، فله أن يتزوجها من جديد وتقوم بينهما عشرة زوجية بعقد ومهر جديدين، وإن هذا الرأي أرفق بالناس، وفي هذا الموضوع كلام فارجع إليه في كتاب الفقه (١). وإن اللعان فضل من الله تعالى على عباده، وقبل أن نترك الكلام في طريقته نقول: إنه عبر عن اللعنة في جانب الرجال؛ لأنهم أقوى جلدا وإدراكا لمعنى الطرد، ولا يؤثر فيهم الغضب بمقدار ما يؤثر الطرد الحسي، لَا مجرد الغضب النفسي، وفي جانب النساء عبر بالغضب؛ لأنه يؤثر في نفوسهن، ومجرد الإعراض يؤثر في نفوسهن.


(١) كتاب " أصول الفقه " للإمام محمد أبو زهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>