للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ِكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختارا من بين نسائه من يصحبه في غزواته، وفي غزوة بني المصطلق اختار أم المؤمنين عائشة، وبعد أن انتهت الغزوة بانتصار المؤمنين عاد الجيش، وقد كانت عائشة تركت مركبها لحاجة في الصحراء، ورحل القوم في هذه الأثناء، وحملوا هودجها إلى البعير يحسبونها فيه، وشدوه، وقد انطلق الركب به، فلما عادت من حاجتها، لم تجد أحدا فتلحفت بجلبابها، واضطجعت مسلِّمة أمرها إلى ربها الذي لَا ينام، فمر صفوان بن المعطل السلمي، وكان قد تخلف عن العسكر لبعض شأنه فرأى سواد عائشة وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله، وقرب منها بعيره فقال اركبي فركبت، ولم يصلوا إلى الناس، وما بحثوا عنها، حتى أصبح الصباح، وعلموا تخلفها ثم حضورها على جمل مع الصالح الذي سار وراءه، وكان حصورا، لَا أرب له في النساء، وجدها رأس النفاق مقالا يقوله، فنشر الإثم رأس النفاق وقال مقالته، وقبلها من المهاجرين والأنصار من لا يمحصون الأقوال، ويتعرفون نتائجها وغاياتها، ويرجفون ويرمونه جزافا.

وأثر القول في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه بشر، وقد مرضت فرأت من الرسول ما لم تعهده، وانتقلت إلى بيت أبيها لتمرضها أمها، وعرفت ما شاع من قالة السوء، فبكت، وانضاف إلى وجع جسمها وجع نفسها.

عندئذ أعلن الرسول بين المؤمنين ما في نفسه، واستشار صحابته في خاصة أمره، فبادر بعض كبار الصحابة بالبراءة، بما ألهمه به إيمانه، وعلى رأس هؤلاء عمر، ورأى علي بن أبي طالب قاضي الصحابة أن يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الأمر والنساء غيرها كثيرات، ويحقق، فيسأل جاريتها عن أحوالها، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جاريتها بريرة، فقالت: والله ما أعلم إلا خيرا، وما كنت أعيب على عائشة إلا أني كنت أعجن عجيني، فآمرها أن تحفظه، فتنام عنه، فتأتي الشاة فتأكله، وإذا كانت الواقعة أنها كانت نائمة وقد عاد الذي ساق بعيرها، فقد ثبت أن عذرها كان من جنس ما اعتادت مع ملاحظة أنها كانت صبية لم تبلغ الخامسة عشر من عمرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>