للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشهْرِ الْحَرَامِ): الباء هنا للمقابلة، أي الشهر الحرام من جانبكم مقابل بالشهر الحرام من جانبهم؛ فإن تقيدوا بالحرمة فيه ولم يثيروا حربًا ولم يعتدوا، التزمتم حرمته، ولم تقاتلوهم فيه، ولو كان قتالهم في ذاته عدلا، بعد أن فتنوا الناس عن دينهم؛ وإن انتهكوا حرمة الشهر الحرام، ونابذوكم فيه وقاتلوكم فلا تكفوا عن قتالهم، ولا تقبضوا أيديكم عنهم احترامًا له؛ بل ابسطوا عليهم أيديكمْ، وخذوهم إلى الحق من نواصيهم؛ لأنه إذا كان الشهر الحرام واجب الصيانة فنفوس المؤمنين ألزم صيانة وأحق بها، وإذا تعارضت الحقوق والواجبات قدم ألزمها، وأحفظها لدين الله وإعلاء كلمته؛ ولا شك أن ترك المشركين يكلَبون في المؤمنين ويشتدون عليهم، أشد ضررًا من القتال في الشهر الحرام الذي انتهكوا حرمته، وقد أخرجوا من قلوبهم كل حريجة دينية وخلقية وإنسانية.

و" أل " في كلمة (الشَّهْرُ) هي التي يسميها علماء اللغة: أل الجنسية، والشهر هنا مفرد في معنى الجمع؛ لأن الشهر الحرام ليس واحدًا، بل هي أربعة أشهر: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب الذي بين جمادى وشعبان، والتعبير بالمفرد وإرادة الجمع فيه إشارة إلى المعنى المشترك في هذه الأشهر الأربعة، وهو تحريم القتال ابتداء فيها، احترامًا لها، ولبث روح الأمن والطمأنينة بين الناس؛ لأن المعنى الجامع لها جعلها وحدة قائمة بذاتها، وكأنها معنى واحد تعددت صوره؛ فالتعبير عن الجمع بلفظ هو في أصل ذاته للمفرد، مشيرًا إلى الوحدة المشتركة الجامعة بين الأفراد، مبينًا أن الحكم قد نيط بالمعنى الجامع بينها، ولا يتصل بالصفات الشخصية المميزة لآحادها.

<<  <  ج: ص:  >  >>