للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الطيبين من الرجال، وهم منحصرون فيها لَا يتجاوزونها إلى خبيث الأقوال، وقد عد هذا احتمالا في الآية الزمخشري، والاحتمال الثاني الذي ذكره أن المراد بالخبيثات النساء، وكذلك الطيبات، وإلى هذا نميل، فليس موضوع الكلام خبائث الأقوال، وطيباتها، إنما موضوعها البريئات من النساء والبرآء من الرجال الذين يرمون بخبث القول، فهي أولى بأن تفسر بموضوعها.

والخبيث هو من قام به الخبث، وهو الرجس الحسي، وقد شبه الرجس المعنوي، وهو فساد النفوس وارتكابها موبق الأفعال من زنى وشرب خمر وسرقة، واختلاس واغتصاب بالخبث الحسي، كما في قوله تعالى: (. . . إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا. . .). وقوله تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ) هو من قبيل القصر؛ لأن فيه تعريفا للطرفين، ومعنى ذلك أن الخبيثات لَا يكن إلا للخبيثين من الرجال، أي لَا يمكن أن يكن أزواجا إلا للخبيث من الرجال، إذا لَا يقدم عليهن إلا مثلهن، وكذلك كان القصر في الجملة الثانية، والخبيثون للخبيثات، أي انحصر زواج الخبيثين في الخبيثات من النساء، أي لَا ترضى بواحد منهم زوجا لها تجناز معه مرحلة الحياة إلا الخبيثات من النساء، فلا ترضى شريفة طيبة برجل خبيث النفس والقول والعمل.

وكذلك الطيبات للطيبين هو أيضا فيه قصر بتعريف الطرفين، أي أن الطيبات من النساء لَا يقبلن إلا زواج الطيببن؛ لأن الطيبة الكريمة لَا ترضى أن تكون فراشا إلا للطيب الكريم، ولا يرضى ذووها إلا بكريم طيب ذي خلق ودين، والطيبون ذوو الأخلاق الذين لَا يختارون إلا كريمة ذات خلق ودين، والشطر الأول كقوله تعالى: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَان أَوْ مُشْرِكٌ. . .).

(أوْلَئِكَ مبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كرِيمٌ) والإشارة هنا إلى الطيبين والطيبات؛ لأنهم الأقرب في الذكر ولأنهم الذين ياثم الخبثاء بالقول القاذف فيهم، والتبرئة لَا تكون إلا لمن يرمى بالقول الخبيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>