للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غض البصر هو النقص من النظر بحيث لَا يمعن بالنظر، ولا يحاول أن يتقصى أطراف من ينظر إليه، و (مِنْ) في قوله تعالى: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) إما أن نقول: إنها لتقوى الأمر بالغض، أي غضوا أبصاركم أيَّ غض، فلا تمعن في شيء من النساء، وإما أن نقول إنها للتبعيض، أي تغض من بعض بصرك، والبعض الذي يغض عنه هو الإمعان والتتبع، والاستمرار في النظر حتى تغيب عنه، لَا ينفلت بنظره عنها، فذلك هو المطلوب من الغض، أما نظر الفجأة فمعفو عنه، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " لَا تتبع النظرة النظرة، فإنما الأولى لك والثانية عليك " (١).

ولقد قال - صلى الله عليه وسلم - في معنى هذا: " إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: ما لنا من مجالسنا بدّ، نتحدث فيها، فقال: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؛ قال: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " (٢).

وابتدأ سبحانه وتعالى بالأمر بغض البصر، لأنه الباب الأكبر إلى القلب، ولأن النظرة المريبة ذريعة إلى أكبر الفحش، ولأن النظر المحصف يناقض الحياء، ولأنه يؤذي النساء، فيمنعهن من قضاء شئونهن خارج منازلهن، وما لهن بد من أدائها، ولأن غض البصر، ينشر اللياقة والحياء العام، والحياء خير كله.

(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) معطوفة على الأمر بغض الأبصار الذي كان عاما، ولذا جمعت الأبصار، وذلك لتطهير البيئة الاجتماعية الإنسانية، فإن سلامة البيئة تجعل


(١) سبق تخريجه من رواية الترمذي، وأبو داود، وأحمد، والدارمي.
(٢) رواه البخاري: الاستئذان - قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لَا تدخلوا. . " ٥٧٦١)، ومسلم: اللباس والزينة - النهي عن الجلوس في الطرقات (٣٩٦٠). من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>