للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠)

(أو) هنا لبيان الأعمال، وما اختص بعضها من تشبيه بالسراب، بأن كان يرجى منها الخير لو استقامت القلوب، وحسنت النية - فكانت كالسراب، وأعمال لا خير فيها، لَا في ذاتها، ولا في نياتها، فكانت كالظلمات، فأمره هنا كأمره في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ. . .)، فهي لبيان اختلاف الحكم باختلاف الجريمة، وهنا تدل (أو) على اختلاف التشبيه باختلاف حال العمل، من ظاهر الخير، وإن لم يكن بنية محتسبة بل بنية التفاخر، والتظاهر بالسلطان، إلى عمل كله شر في ظاهره وفي نيته، ويحيط به الإثم من كل نواحيه.

(كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لجِّيّ): اللجي نسبة إلى اللجة، وهي الماء الكثير، فالبحر كثير الماء، عميق ممتلئ، لَا يسبر غوره (يَغْشَاهُ مَوْجٌ) يعلوه، ويستره (مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ) أي موج متراكب بعضه فوق بعض، فالبحر لجي فيه ظلمات، والموج المتراكب الذي يكون موجا كثيفا بعد موج مضطرب مصطفق، ومن فوق الموج سحاب معتم، وغيم شديد، فهي ظلمات بعضها فوق بعض، فظلمة اللجة، وظلمة الموج المتراكب، وظلمة السحاب، كل هذا يوجد ظلاما دامسا لَا توجد معه رؤية صحيحة سليمة تكون طريقا للإدراك الصحيح، ولذا قال في تكميل التشبيه، فقال عز من قائل: (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)، إذا أخرج يده من جيبه لَا يكاد يراها،

<<  <  ج: ص:  >  >>