للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ركاما) مجتمِع بعضه يكون فوق بعض، ولقد قال تعالى: (وَإِن يَرَوْا كسْفا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يقُولُوا سَحَابٌ مرْكُومٌ)، وإنه إذا تراكم السحاب، وصار بعضه فوق بعض كان المطر، ولذا قال تعالى: (فَتَرَى الْوَدْقَ يخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)، والودق هنا المطر، يقال: ودقت السحاب فهي وادقة - إذا أمطرت - وقوله: (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ينبئ عن أنه مطر ضعيف لَا ينهمر انهمارا، ولا يكون وابلا؛ لأن الوابل تنحل فيه السحاب وتنهمر، ولا يكون ودقا يخرج خلاله من سحاب متراكم، ثم أشار سبحانه إلى الماء المنهمر بعد ذلك بقوله: (ويُنَزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَال فِيهَا مِن بَرَدٍ) السماء هنا ما علاك، (مِن جِبَالٍ) بدل اشتمال من السماء، أي ينزل مما علاك من جبال فيها من برد، وقد شبه السحاب المتراكم الذي يعلو طبقة فوق طبقة بالجبال لكمال تماسكها وتراكمها، وعلوها حتى صارت كالجبال في منظرها، وما ركبت الطائرة التي تحلق ونظرت السحاب المتراكم حتى حسبته جبلا، أو جبالا، وإذا كان محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يركب طائرة تمر فوق السحاب، فيكون هذا من دلائل إعجاز القرآن، وأنه لم يكن من عند أحد من البشر، وقوله تعالى: (مِن بَرَدٍ)، أي وينزل من الجبال التي تشبهها السحاب، أي ينزل من السحاب بعض البرد الذي فيها، والبرد هو كما قال الراغب في المفردات، والبرد ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب، وبرد السحاب اختص بالذكر، وهذا قريب مما يقوله علماء الطبيعة من أن الماء يتبخر، فيكون سحابا، ثم يتكون من السحاب قطع صلبة هي البرد.

وتقريب القول بلغة الناس، وإن كان للقرآن المثل الأعلى في البيان الذي لا يناهد، تقريبه هكذا. وينزل السحاب التي تشبه الجبال في منظرها، وتكون (من) الثانية بيانية، أو تكون تبعيضية، أي ينزل منها بعض البرد، ونحن نميل إلى أنها بيانية.

وإذا كان ينزل المطر من البرد، فإنه لَا ينزل إلا بما يشاء سبحانه: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ)، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ أي ينزل عليه، وعبر بـ (يصيب)، دون (ينزل)؛ لأن الإصابة قد تكون بالخير، وقد تكون بغيره، فقد يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>