للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) وهذا هو الأمر الأول، وهو أساس لما قبله ولما بعده، فالدين يمكن فيما بينهم، فلا يكون ثمة ما يسوغ ضعف اليقين، بل تبقى الحجة للقرآن وحده، ويدركه الناس في دعة واستقرار، ولا يوجد إيذاء ولا استخذاء ولا استهزاء، ولا تهكم على المؤمنين، ولا يستطيعون كما فعلوا من قبل (. . . وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ. . .)، والثاني بينه سبحانه وتعالى بقوله: (وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا)، أي يجعل الله تعالى من بعد الخوف المستمر من المشركين أمنا دائما مستقرا، وكان التنكير لبيان عظيم الأمن، وإنه أمن مستقر ثابت، ولقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لَا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون " (١)، وهنا إشارة بيانية في قوله تعالى: (دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ)، أي الذي ارتضاه سبحانه واختاره لهم، ففي هذا إشارة أولا: إلى كمال نعمته عليهم بهذا الدين، وثانيا: بأنه اختاره وارتضاه لهم، وثالثا: بأنه الحق الذي لا ريب فيه.

وقال سبحانه مبينا خاصة هذا الدين الحق، وشعار الذين بدلهم سبحانه من بعد خوفهم أمنا، فقال: (يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، أي يعبدونني وحدي في عامة أمورهم، لَا يشركون بي شيئا في عبادة ولا طاعة ولا عمل، فعبادتهم له سبحانه وطاعتهم له وحده، فلا يطيعون حاكما ويتركون طاعة الله، وإذا خيروا بين عصيان الحاكم، وعصيان الله اختاروا عصيان الحاكم، فإن استمروا على ذلك استمر لهم السلطان في الأرض.

وقوله تعالى: (وَمَن كفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، أي من كفر وخالف وعصى الله بعد التمكين والأمن والاستقرار (فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)، أي الخارجون الجائرون البائرون فلا يكون كفرهم مجرد جحود، بل هو الضياع لَا محالة، واعتبر


(١) جزء من حديث رواه البخاري: المناقب - علامات النبوة في الإسلام (٣٣٤٣)، أبو داود: الجهاد (٢٢٧٨). من رواية لخباب بن الأرت رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>