للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (١٩٧)

* * *

هاتان الآيتان متصلتان بما قبلهما أوثق الاتصال، وذلك بأن الآيات الكريمة من قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ منْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ. . .)، فيها تنظيم للجماعة الفاضلة؛ ببيان حق الفقير في مال الغني، وبيان المساواة العادلة في تطبيق القوانين الإسلامية، لَا فرق بين قوي وضعيف، ولا شريف ووضيع، وبيان أن العقوبة تكون على قدر الجريمة، وإن في ذلك حياة الجماعة حياة فاضلة عادلة (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ. . .)، وفيها تنظيم للأسرة بالتعاون بين آحادها؛ بأن يمد الغني الفقير بالهبات في الحياة، والوصايا بعد الوفاة، وفيها بيان لما يهذب النفس، ويقوى الروح فذكر الصيام، ثم فيه إشارة إلى الحج الذي يجمع في ثناياه بين إصلاح الآحاد في ذات أنفسهم، وإصلاح الجماعة وتنظيمها، وفي أحكامه تتلاقى ذرائع التنظيم الاجتماعي، والإصلاح النفسي؛ فهو في ذاته رحلة روحية يشارف المؤمن فيها المقام القدسي، إذ يحل في المكان الذي شرفه الله سبحانه بنسبته إليه، ووضع قواعده النبيون الصديقون، وفيه الصدقات وإمداد الفقراء؛ بل في بعض كفاراته الصوم؛ وفيه التنظيم الاجتماعي العام بالتعارف بين المسلمين في كل البقاع؛ فكان حقا أن يجيء الحج بعد الأحكام المنظمة، والعبادات المصلحة للنفس، المهذبة للروح؛ لأنه يجمعها في أحكامه.

ولكن الحج في إبان نزول القرآن كان متعذرًا أو متعسرًا؛ لأن المزار الأكبر وهو البيت الحرام، والمشعر الحرام، كان المشركون قد سيطروا عليه، والأصنام تحيط به من كل جانب، وهم يمنعون المسلمين منه، والعداوة بينهم وبين النبي وصحبه مستعرة؛ فكان لابد من القتال للوصول إليه، وأداء تلك الشريعة الإسلامية؛ لذلك جاء ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>