للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الاثنين، جمع بشور، أي مُبَشّر، والمعنى على ذلك مبشرات برحمته، وهو إنزال الماء الطهور، الذي يطهر من الأرجاس، ويسقي الزرع والغرس والحيوان، والإنسان، ويصح أن تكون جمعا لبشرى، وهي في نظرنا أظهر والمؤدى واحد، وهو أنها مبشرات، وقد تكون الرياح عواصف جدباء، وليست هذه التي تكون بشرا، بل إنه يكون نذيرا من النذر كما وقع لعاد قوم هود، ولثمود قوم صالح، وقوله تعالى: (بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) أي أنها مقدمة لرحمته تليها الرحمة الإلهية لخلقه، وفي هذا الكلام تشبيه حسن باستعارة تمثيلية، فقد شبهت الرياح الممطرة غيثا بمن يسير وأمامه في سيره رحمة مباركة طيبة، ورشحت وقويت الاستعارة بقوله بشرا فإنها تقوي معنى المشبه به، والاستعارة إذا كانت مقواة بما يكون فيه معنى المشبه به كانت مرشحة أي مقواة. وقول (بشْرًا) قرئت بالنون، أي نشر جمع نشور، كما جمع رسل من رسول، والمعنى أنها تنتشر وتعم لتعم الرحمة، ونذهب إلى أن القراءتين المتلاقيتين في المعنى نجمع بينهما فيكون المعنى أن الرياح فيها وصفان أحدهما أنها مبشرة بالخير، والثاني أنها منتشرة وعامة.

ويكون المؤدى أن كل قراءة آية قائمة بذاتها، وهي قراءة، والجمع بينهما يكون الجمع بين آيتين، في أوجز لفظ، وبالجمع تكون الرياح مبشرات ومنتشرات، والله هو الرزاق ذو القوة المتين.

وقال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) والسماء هنا جهة العلو، أنزلنا من السحاب الذي حملته الرياح المبشرة المنتشرة ماء طهورا، والطهور هو الطاهر في نفسه المطهر لغيره، وإن أطهر الماء هو ماء المطر؛ لأنه فوق خلوه من الأنجاس الحسية والقاذورات هو خالط خلوا تاما من جراثيم الأمراض الوبائية وغيرها، ووصفه بطهور ينبئ عن ذلك، وإنه ينزل كذلك ثم يكون تلوثه بجراثيم الأمراض بعد ذلك. بمكوثه في الأرض واستقراره بها.

وإنه في الشريعة يطهر الإنسان طهارة حسية بإِزالة الأنجاس الحسية، وطهارة

<<  <  ج: ص:  >  >>