للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يكون فيه من مد وجزر تبعا للقمر، فقال رضي اللَّه تعالى عنه في تفسير (وهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ): أي مالح مرٌّ زعاق لَا يستساغ كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب والبحر المحيط.

وأخذ يضرب الأمثال حتى قال: وما يشابهها من البحار الساكنة التي لا تجري ولكن تموج وتضطرب وتلتطم في زمن الشتاء وشدة الرياح، ومنها ما فيه مد وجزر، ففي أول كل شهر يحصل مد وفيض فإذا شرع الشهر في النقصان جزرت حتى ترجع إلى حالتها الأولى، فإذا استهل الهلال من الشهر الآخر شرعت في المد لليلة الرابعة عشرة، ثم شرع في النقص فأجرى اللَّه سبحانه وتعالى تلك العادة.

وإن نعم اللَّه تعالى في البحار كما ذكرنا عظيمة، وقد سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ماء البحر فقال: " هو الطهور ماؤه الحل ميتته ".

وقد أشار سبحانه إلى أن كلا من البحرين العذب الفرات والملح الأجاج كلاهما محجوز عن صاحبه، بل يأخذ الإنسان من كل منهما منافعه ونعمه من غير أن يختلط أحدهما بالآخر، فيختلط الملح بالعذب الفرات، فلا ينتفع الإنسان بشربه، ولا الزرع بسقيه.

ولذا قال: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) أي جعل بينهما حاجزا مانعا، وحجرا، أي حدّا، وهوِ بمعنى محجوز، كنقض بمعنى منقوض، وأكد سبحانه المنع، فقال: (وَحِجْرَا مَّحْجُورًا) أي حدا ممنوعا لَا يمكن أن يعدو أحدهما.

وقد قلنا إن (مَرَجَ) هنا بمعنى خلا وأرسل، وقد بينا معنى مرج البحرين على ذلك المعنى، وهي أيضا بمعنى خلط وجاور من غير أن يمتزج الماءان كل منهما بالآخر مع أن الماء سريع السيران، ويتم الامتزاج فيه، لكن في النوعين من الماء نجدهما يتجاوران مختلطين بالجوار غير سائل أحدهما في الآخر، فتجد في مصبات الأنهار حيث يختلط ماء النهر وتجاور ماء البحر، تجد بينهما مانعا حسيا يكون كل واحد منهما متميزا بحيزه لَا يعدوه؛ لأن ماء النهر خفيف، والماء الملح

<<  <  ج: ص:  >  >>