للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (٦٤)

هذا عمل إيجابي، وإذا كان العمل الأول معناه التطامن للناس، وألا يكون بينهم وبينهم شغب، حتى إذا خاطبهم السفهاء بما لَا يصدر إلا عنهم، لَا يبادلونهم السفه بسفه مثله، بل يقدمون لهم السلام والأمن ويطمئنون، ولا يشاغبون. وهذا عملهم مع الناس، أما هم بالنسبة للَّه، فقد ذكر سبحانه ذلك في بيانهم، وهو السجود للَّه تعالى والقيام له، والخضوع له تعالى، فقال: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) هذا عطف على الجملة السابقة في بيان عملهم للَّه، وكذلك ما يجيء من بعده من أحوال لهم، واللام في قوله (لِرَبِّهِمْ) متعلقة بـ (سجَّدًا) أي أنهم يبيتون ساجدين لربهم خاضعين، وقائمين له، وقدم قوله تعالى (لِرَبِّهِم)؛ لبيان قصر السجود عليه، فلا يسجدون لغيره إذ لَا يعبدون غيره، ولا يسجدون لسواه.

والسجود والقيام كناية عن الصلاة، فهم يتهجدون مطيعين؛ لقوله تعالى:

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩).

وإن معنى الآية أنهم يبيتون على هذه الحال، تنام أعينهم، ولا تنام قلوبهم، كما قال تعالى عنهم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِع. . .)، وقال تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ. . .).

هذه بعض أحوال عباد الرحمن: اتجاه إلى اللَّه وإغضاء عن مساوئ الناس، ويكون اللَّه تعالى في بياتهم فيكونون للَّه تعالى في مبيتهم، وفيما يجْرحُونَ من أعمال بالنهار.

<<  <  ج: ص:  >  >>