للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل لأن إبراهيم عليه السلام علمه جبريل فيه مناسك الحج، فكان يقول: عرفت، عرفت. وقيل لأن آدم وحواء تعارفا فيه. وقيل لأن عرفات من عرف بمعنى طيبه الله بالعرف بخلاف منى، فإن فيها الذبح وأفراث الذبائح. وأحسن تعليل للتسمية ما جاء في الزمخشري: قيل لأن الناس يتعارفون فيها. وهذا ما أختاره، وإن كانت الأسماء لَا تعلل؛ ذلك لأن عرفات يجتمع الناس جميعًا عليه في وقت واحد، فيجري التعارف بينهم، وليست هذه الخاصة في غيره من المناسك، فغيره يؤدي أفرادا أو جماعة، أما هذا فيؤدي في جماعة زاخرة، هي جماعة الحجاج أجمعين.

والمشعر الحرام: هو المزدلفة؛ وسمي كذلك؛ لأنه من معالم الحج التي لا يصح أن يعمل فيها إلا ما ورد به النص، وهو منسك له حرمة وتقديس، وقد سمي المزدلفة؛ لأن الحجيج يزدلفون إليه من عرفات، كما سمي جمعًا؛ لأنهم يجتمعون فيه، ولأنهم يجمعون فيه بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تأخير، كما يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم في عرفات. ووقت الوقوف بعرفات عند الجمهور (١) من بعد زوال اليوم التاسع إلى فجر اليوم العاشر؛ والوقوف بمزدلفة بعد فجر اليوم العاشر.

وقد روى المسور بن مخرمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس فقال: (أما بعد فإن هذا اليوم الحج أبر، ألا وإن أهل الشرك والأوثان كانوا يدفعون في هذا اليوم قبل أن تغيب الشمس، إذا كانت الشمس في رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال في وجوههم، وإنا ندفع قبل أن تطلع الشمس مخالفًا هدينا هدي أهل الشرك " (٢) ويبين ذلك عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -


(١) قال المصنف - رحمه الله -: اتفق الفقهاء على أن الوقت من الزوال إلى الفجر وقت للوقوت، واتفقوا على أن من وقف قبل الغروب وبعده فقط صح حجه إذا استوفى ركنه. واختلفوا في أمرين فيما إذا وقف بعد الزوال وافترق قبل الغروب؛ فقد قال الجمهور يصح؛ وقال مالك في المشهور لَا يصح حتى يكون الغروب ليفنرق عن فعل المشركين، كما نص الحديث؛ واختلفوا إذا وقف بالزوال؛ فقال الجمهور لَا يصح، وقال أحمد يجوز لما روى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من شهد صلاتنا هذه فوقف معنا حتى ندفع ووقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه " والسؤال والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة.
(٢) عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ أَهْلَ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ، كَانُوا يَدْفَعُونَ مِنْ مَا هُنَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ مِثْلَ عَمَائِمِ الرِّجَالِ عَلَى رُءُوسِهَا، فَهَدْيُنَا مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِمْ، وَكَانُوا يَدْفَعُونَ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ عِنْدَ طُلُوعِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>