للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكما شرعها ربكم، فاملئوا قلوبكم بثمرتها، وهي ذكر الله دائما وعمران القلوب به، فهو غاية العبادة ومرماها؛ وذكر الله دائما في كل الأعمال والأقوال هو الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر؛ فإن المرء إذا عمر قلبه بذكر ربه آناء الليل وأطراف النهار - ما أقدم على معصية، وما آذي مخلوقا، وما أفسد مجتمعا، وما ظلم وما بغى؛ ولذلك قال سبحانه: (إِن الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكر اللهِ أكبَرُ. . .).

ولذلك طالب سبحانه الحجاج بأن يذكروا الله كذكرهم آباءهم، فإن المرء لا ينسى أباه، وإذا كان لَا ينسى أباه لأنه كان السبيل الذي وصل به إلى هذا الوجود، فليذكر خالق أبيه وخالقه وخالق كل مَن في هذا الوجود.

وإن ذكر الله سبحانه يقتضي أن يغضب المؤمن لعصيان الله في الأرض؛ لأن ذلك اعتداء على محارم الله؛ ومن اعتدى على محارم الآباء قوتل فمن اعتدى على محارم خالق الآباء أولى أن يقاتل ويحارب؛ وقد سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ) فقيل له: قد يأتي على الرجل اليوم ولا يذكر أباه فقال ابن عباس: ليس كذلك، ولكن أن تغضب لله إذا عصي أشد من غضبك لوالديك إذا شتما، ففسر ابن عباس رضي الله عنه الآية بلازمها ونتيجتها وغايتها إذ إن نتيجة ذكر الله دائما الغضب عندما تنتهك محارم الله سبحانه وتعالى، وإن الله طالب بأن نذكره كذكر آبائنا أو أشد ذكرًا أي اذكروه سبحانه كذكركم آباءكم أو أشد ذكرًا من آبائكم، و " أو " في معنى الإضراب والترقي، أي أنه يطالبهم سبحانه بأن يذكروه كما يذكرون آباءهم، ثم يترقى في معاني التقرب منه، فيطالبهم بأن يكونوا أشد ذكرًا له من آبائهم؛ وكأن لطالب الهداية درجتين: أولاهما، أن يكون ذكره لله كذكره الآباء، فيغضب لمحارمه كما يغضب لشتم أبويه، ثم تترقى حاله في مراتب التهذيب الروحي والنفسي، فيكون أشد ذكرًا لله فيغضب لمحارمه أكثر مما يغضب لشتم الآباء.

وفى الآية فوق هذه المعاني السامية تعريض بما كان يفعله أهل الجاهلية من قيامهم بعد يوم النحر في الأسواق يتفاخرون بالأنساب والآباء؛ كما تروي كتب

<<  <  ج: ص:  >  >>