للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خاص، والأيام المعد ودات التي يصحبها ذكر خاص، أيام التشريق الثلاثة، وقد نقل القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرآن عن أبي عمر بن عبد البر الإجماع على أن الأيام المعدودات في الآية الكريمة هي أيام منى، أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وهي أيام أكل وشرب. وذكر الله الخاص في هذه الأيام بالتصدق على الفقراء من الذبائح التي ذبحوها في يوم النحر، ورمي الجمار فيها، بعد أن يكون الحجيج قد رموا جمرة العقبة في يوم النحر؛ وفي رمي الجمار يكبر عند كل حصاة يرميها؛ وهذا بلا شك ذكر خاص.

ورمي الجمار على ذلك الشكل في أيام منى الثلاثة عملي حسي مادي يقترن به عمل نفسي وجداني، وهو إشعار القلب بعظمة رب المالمين، وتلك الحركات الجسمية هي للدلالة على التعلق القلبي بالأرض التي بارك الله فيها، وبالتالي التعلق بمن شرفها بالانتساب إليه، فسماها حرمه المقدس، وبيته الآمن. وكون الحركات على هذا الشكل وبهذا الوضع ليس من الأمور التي تحلل، كما أن محاولة معرفة العلة في كون الصلاة على هذا الشكل محاولة في غير جداء، إنما هذا أمر توقيفي، قد ارتضاه رب المالمين على لسان النبي الكريم سبيل الزلفى إليه، وتوجه القلوب نحو ذاته العلية التي لَا يحدها مكان، ولا يجري عليها الزمان.

وقد أشار النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن هذه الأيام هي أيام منى بما روى الدارقطني والترمذي أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعرفة، فسألوه، فأمر مناديا فنادى: (الحج عرفة، فمن جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) (١).

وإن هذه الأيام يحرم الصوم فيها عند جمهور الفقهاء؛ فقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أيام التشريق أيام كل وشرب وذكر لله " (٢).


(١) رواه الترمذي عن عبد الرحمن بن يعمر: كتاب الحج - من أدرك الإمام بجمع (٨١٤)، ورواه النسائي (٢٩٩٤) وأبو داود (١٦٦٤) وابن ماجه (٣٠٠٦) وأحمد (١٨٠٢٢) والدارمي (١٨١١).
(٢) رواه مسلم: كتاب الموم - تحريم صوم أيام التشريق (١٩٢٦) وأحمد: أول مسند البصريين (١٩٧٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>