للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيستثنى من هؤلاء الشعراء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وامتلأت قلوبهم بذكر الله، وذكروا الله كثيرا، كعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وأولئك انتصروا للحق وناصروه، وكانوا يدفعون الهجاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهم من قاد الجيوش، واستشهد أمام الروم في غزوة مؤتة، وهو عبد الله بن رواحة.

ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا، ومستثنى من الضالين، ويكون معنى (إلا) لكن، والمعنى: والشعراء يتبعهم الغاوون إلى آخره، لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا بأن امتلأت قلوبهم بذكره، وانتصروا أي انتصفوا من المشركين من بعد ظلموا فإنهم يتبعون الحق ويتبعهم أهل الحق.

وقوله تعالى (مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا)، (ما) مصدر حرفي أي من بعد ظلمهم، وإرهاقهم في أمرهم، وكل هذا كان بيانا لنصرة الله تعالى من بعد الأذى في مكة، وإشارة إلى وعد الله تعالى بالنصر المبين، وانتصر معناها انتصف بنيله النصر، بعد جهاد في سبيل الله تعالى.

وقوله تعالى: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

السين هنا لتأكيد الفعل في المستقبل، والعلم الذي سيعلمونه هو علم المعاينة، إذ سيرون العذاب، وسيحسونه نازلا بهم، إذ يكونون في جهنم، وبئس المهاد، والتعبير بالموصول لبيان أن الصلة هي سبب ما ينزل بهم من عذاب شديد، لَا يعرفونه الآن، وسيعرفونه من بعد، وقد ظلموا أولا بالشرك، وثانيا بتكذيب الرسل، وثالثا بإنكارهم للقرآن، ورميهم له بأنه تنزل به الشياطين، وأنه كأقوال الكهان، وغير ذلك مما ظلمت به العقيدة، والحقائق، وقد أضافوا إلى ذلك ظلم العباد، والصد عن سبيل الله تعالى، والمنقلب هو انقلابهم من الطغيان إلى المهانة، ومن رغد العيش إلى شدته، وقد أبهم هذا المنقلب، تأكيدا للتهديد، والإنذار الشديد.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>