للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهناك اتجاه آخر، وهو عدم تقدير كلمة عذاب، وأن مجيء الله هو تجليه يوم القيامة، وكشف الحجاب للناس يوم الجزاء؛ فيتجلى عليهم ربهم وملائكته؛ والمعنى على هذا الاتجاه أن أولئك الجاحدين سادرون في ضلالهم ولهوهم حتى يأتي هم أجهلم، وكأنهم لَا ينتظرون وهم مستمرون في ضلالهم إلى اليوم الآخر حيث يحاسبهم الديان، وتجرهم إلى النار ملائكة الجبار، وينال المؤمنون مثوبة الرحمن؛ ويكون معنى (وَقُضِيَ الأَمْرُ) أنهم عاينوا الحقائق التي أنكروها حيث قضي الأمر نهائيا ولم تعد لديهم فرصة للتوبة والرجوع إلى ربهم؛ ولقد قال - صلى الله عليه وسلم -: " يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قيامًا أربعين سنة، شاخصة أبصارهم إلى السماء، ينتظرون فصل القضاء، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي " (١).

وقد بدا معنى لي غير المعنيين السابقين في إتيان الله سبحانه وملائكته، وهو أن أولئك المشركين قد كفروا مع أن الحجة قاطعة، والبينات دامغة، والحق واضح أبلج والرسول بين ظهرانيهم قد عرف طول حياته بالصدق والأمانة، وإذا كانوا قد كفروا مع تلك البينات فهل ينتظرون أن يأتي هم الله هو وملائكته في ظلل من الغمام، لكي يؤمنوا برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن يشاهدوا الله وملائكته؛ ولقد طلبوا أن ينزل ملك من السماء برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (٩)، فالاستفهام حينئذ للتوبيخ واللوم مع النفي؛ أي أن حالهم حال من لَا يريدون أن يؤمنوا إلا بعد أن يعاينوا ويروا الله وملائكته جهرة؛ كما قال إخوان لهم سبقوهم لموسى: (أَرِنَا اللَّهُ جهْرَةً. . .)؛ ومعنى (وَقُضِيَ الأَمْرُ) أي انتهى الأمر عند هذه المعجزة التي جاء بها محمد، (فَمَن شَاءَ فَلْيؤْمِن ومَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. . .). (وَإِلَى اللَّهِ ئُرْجَعُ الأُمُورُ) إليه سبحانه وحده لَا إلى أحد سواه، ولا إلى أحد معه، تصير الأمور خيرها وشرها، وسيجزى كلا بما يستحق، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر.


(١) رواه ابن أبي الدنيا، والطبراني من طرق أحدها صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد. ذكره المنذري في الترغيب والترهيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>