للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويصح أن نقول: إن " كان " تدل على الاستمرار، ويكون المعنى أن الناس كانوا وما زالوا أمة واحدة مهديين بمقتضى الفطرة، ولكنهم يضلون أنفسهم، فبعث النبيون ليكونوا حجة على الناس، وليكون الجزاء من عقاب وثواب، وليتحمل كل امرئ عاقبة ما صنع بالتبليغ.

القول الثاني - أن الناس كانوا أمة واحدة من حيث إنهم كانوا ضالين، فبعث الله الأنبياء لهدايتهم، ولإنقاذهم - من حيرتهم، وليكونوا حجة عليهم، ولتترتب تبعات الأعمال، من عقاب وثواب، وذلك بالإنذار والتبشير.

" وكان " على هذا التخريج تكون للماضي واضحة المعنى، بينة، ولا حاجة إلى تقدير كلَام محذوف.

القول الثالث - وهو قول القرطبي، إذ يقول في أحكام القرآن: المراد الإخبار عن الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق، لولا مَنُّ الله عليهم، وتفضله بإرسال الرسل إليهم، فلا تختص " كان " على هذا التأويل بالمضي فقط. بل معناه معنى قوله تعالى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورَا رَّحِيمًا).

وإن هذا هو الذي نختاره (١) وعلى هذا التأويل لَا يكون ثمة حاجة إلى تقدير محذوف؛ لأن ذات حالهم من كونهم لَا علم لهم بالشرائع، ولا تهتدي عقولهم إلى الحقائق بنفسها، توجب البعث، ولأن تلك الحال التي تكون على الفطرة وحدها توجب الاختلاف فتوجب بعث النبيين، وذلك لأن النفوس إن تركت لمقتضى جبلتها من غير شرع مبين، ولا كتاب يحكم، تكون بين نفس غلبت عليها شقوتها، وبين نفس ضالة حائرة، تدفعها الغرائز إلى الشهوات دفعًا، فيكون التناحر والتنابذ، ولابد حينئذٍ من حاكم يقضي، ويقدع النفوس عن شهواتها.


(١) قال المصنف - رحمه الله -: وهو عين ما اختاره الأساذ الإمام الشيخ محمد عبده، وقد استفاض في توجيهه، وحرره بقلمه البليغ رضي الله عنه، فارجع إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>