للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن تلك الشدائد كانت تبلغ أقصاها، حتى إذا وصلت القلوب إلى حال تقارب اليأس من الفرج، إذ تغمرها الشدائد غمرا، حتى تكون في شبه ظلماء لولا نور القلوب، جاء نصر الله؛ وهذا ما يدل عليه قوله تعالى:

(حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيب) أي أن الشدائد كانت تنزل بالماضين من أنصار الحق والدعاة إليه، ويطول زمنها، ويتطاول فيها أهل الباطل، حتى تصير النفوس في حال تريد النصر القريب.

وليس معنى ذلك أن الهلع يستولي عليهم، أو أن اليأس يملك قلوبهم؛ فإن المؤمن لَا ييئس من روح الله؛ إنما معناه أنهم تنزل الشديدة فيحتملونها ويألفونها ثم تنزل الأخرى التي تكون أشد قسوة فيروضون نفوسهم على احتمالها مستعذبين العذاب في سبيل الحق؛ وهكذا تترادف عليهم الشدائد، وتتوالى عليهم المحن حتى تصل إلى أقصى ما تحتمله النفوس الآدمية، وتبلغ حد الطاقة البشرية؛ عندئذ يطلب الرسول والذين آمنوا معه النصر. وقدم الرسول في هذا المقام للدلالة على أمرين: أولهما: أن الشدة قد بلغت منتهاها بدليل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سارع بطلب النصر من رب العالمين؛ والثاني: أن رأفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأتباعه تجعله يسارع بطلب نصر الله، رحمة بهم، وإشفاقًا عليهم.

وعند بلوغ الشدة هذا الحد يكون ابتداء الفرج؛ ولذا قال سبحانه: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) أى الله سبحانه وتعالى يبشرهم في هذه الحال بأن النفوس قد انتهى اختبارها، وبدا جوهرها، وأن النصر لَا محالة آت وهو قريب؛ فهذه الجملة الكريمة من كلام الله تعالى لهم. وقد قال بعض العلماء: إن هذه الجملة يصح أن تكون من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه؛ أي أنهم لفرط إيمانهم بحسن العقبى، ورجائهم في نصر ربهم، وإيمانهم بأن الحق منصور، يحسون في الحال التي يطلبون فيها النصر بأن النصر منهم قريب؛ فيقول لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد طلب النصر ويستمعون إليه مصدقين كأنهم القائلون: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) والتعبير على هذا الشكل يدل على توكيد الخبر بالنصر؛ من جملة وجوه؛ ففيه التعبير بالجملة الاسمية

<<  <  ج: ص:  >  >>