للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حاكيا عن موسى عليها السلام (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)، وفي الحديث النبوي: " اللهم أشركنا في دعاء الصالحين ".

ومن هذا الباب أطلقت كلمة " إشراك " على عبادة غير الله معه؛ لأن من فعل ذلك فقد أشرك مع الله غيره في العبادة والتقديس والألوهية؛ وألفاظ القرآن الكريم الدالة على ذلك كثيرة جدًا، ولا تكاد تحصى؛ ولكثرة استعمال القرآن هذا اللفظ في هذا المعنى كان لكلمة " مشرك " إطلاق خاص فيه؛ وهو إطلاقه على من يعبد الأوثان؛ فكلمة: مشرك، ومشركين، ومشركات، كلها إذا ذكرت في القرآن انصرفت إلى عبدة الأوثان من غير أية قرينة دالة على ذلك؛ لأنها صارت في الإسلام حقيقة عرفية عليهم؛ ولا تطلق على اليهود والنصارى؛ وإن قال الله سبحانه عن النصارى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالثُ ثَلاثَةِ. . .)، وعن اليهود: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ. . .)، إذ صار لفظ المشركين اسما لجنس معين؛ ولذا كان يذكر النصارى واليهود بعنوان أهل الكتاب، وعبدة الأوثان باسم المشركين؛ فقد قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِينَ حَتَّى تَأتِيَهم الْبَيِّنَة)، فذكر في هذه الآية الكريمة الجميع بعنوان الكفر؛ ولكنه فصل بينهما، فجعلهما جنسين مختلفين، وإن ذلك أدى إلى الاختلاف في المعاملة، والاختلاف في الأحكام؛ وكانت العلة في هذا الاختلاف مشتقة من التسمية نفسها؛ فأولئك لهم كتاب، وإن كان محرفا؛ والمشركون ليس لهم كتاب، فلا ضابط يضبطهم، ولا عاصم يحول بينهم وبين الإيغال المطلق في الشر، ولا حريجة دينية تقيدهم، بل هم حائرون بائرون.

وعلى هذا التحقيق اللغوي يتبين أن قوله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتًى يُؤْمِنَّ) لَا يُدخل في عموم النهي إلا الوثنيات ولا يدخل فيه قط الكتابيات، لأن الحقيقة العرفية القرآنية لَا تدخل اليهود والنصارى في عنوان المشركين، ولا في عموم الوثنيين، وإن كانوا مثلثين. ولقد قال بعض المفسرين: إن كلمة المشركات تشمل بمقتضى عمومها الكتابيات؛ لأنهن يشركن بالله في العبادة، ويثلثن، ولكن جاء بعد ذلك النهي العام إباحة زواج الكتابيات في قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>