للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإن القرآن الكريم في جدله مع أهل الكتاب كان يلاحظ إمكان التفاهم معهم على قواعد يمكن حملهم على الإقرار بها، كما في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ. . .)، وقوله تعالى في مجادلتهم: (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكمْ. . .)، كما أمر الله سبحانه المسلمين عامة بألا يجادلوا أهل الكتاب إلا بالرفق، كما قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ. . .). فكان من اطراد تلك المعاملة الحسنة المقربة، غير المبعدة، أن أباح الإسلام الزواج من الكتابيات.

بيد أنه يلاحظ في إباحة الزواج من الكتابيات أمران:

الأمر الأول: أن النص القرآني المبيح خاص بالمحصنات منهن، إذ قال سبحانه: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أوتُوا الْكتَابَ مِن قَبْلِكمْ. . .)، والمحصنات في أظهر التفسير هن العفيفات؛ فأولئك الذين يعمدون إلى المنحرفات منهن في أخلاقهن وعقولهن ولا يتخيرون، خارجون عن موضع الإباحة فيما أحسب؛ لأن الله أحل المحصنات، وهم استحلوا المنحرفات، ووقع ما توقعه عمر رضي الله عنه.

الأمر الثاني: أن ولي الأمر إذا رأى خطرا على الدولة الإسلامية، أو على المجتمع الإسلامي، له أن يمنع الناس من ذلك الزواج بوضع عقوبات لمن يقدم عليه سدًّا للذريعة ومنعًا للشر؛ وذلك من باب السياسة الشرعية، لَا من باب تحريم ما أحل الله؛ لأن الحل قائم على أصله، والمنع وارد على الضرر الذي يلحق المسلمين، إذ في ذلك من الاعتداء على جماعتهم ما فيه؛ كما أن أصل الأكل حلال؛ ولكن اغتصاب أموال الناس لنأكلها حرام؛ للاعتداء فيه؛ ولذلك سارت الدولة على منع رجال السلك السياسي من الزواج من الأجنبيات. وقد علمنا أن ضباطا في الجيش

<<  <  ج: ص:  >  >>