للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتعالى بذلك، بل يقيم البينات والآيات الدالة القاطعة على أن الحق هو ما يدعو إليه، والمصلحة فيما يأمر به، والفضيلة والكمال فيما يشرع لهم من شرع ويوضح لهم من مناهج؛ فقد اقترن كل حكم بحكمته، وكل أمر بوجه المصلحة فيه، وكان ذلك لأجل أن يتذكر الناس دائمًا، ويكونوا على علم بوجه الخير في أوامر دينهم، وأحكام الشرع الذي نزل من عند الله الحكيم العليم؛ وهذا معنى قوله تعالى: (لَعَلَّهمْ يَتَذَكَّرُونَ) فالرجاء هنا في معنى التعليل؛ لأن الرجاء من الله تعالى في موضع التحقيق؛ أو نقول: الرجاء على حقيقته، وهو من العبد لَا من الرب؛ أي أن الله سبحانه وتعالى شرع ما شرع من شريعة محكمة لَا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وبين بالآيات البينات وجه الخير فيما يشرع ليرجو الناس أن يكونوا في حال تذكر دائم لربهم وشرعه، وخالقهم وما أنزل لهم من أحكام تصلح دنياهم، وتقربهم إلى الله زلفى فينالون رضوانه يوم الدين.

أما بعد: فإن هاتين الآيتين الكريمتين توضحان لكل مؤمن الطريق الذي يتخذه ليختار زوجًا يرضاها قرينة له ويقطعا معا صحراء الحياة، وتكون له السكن والمُطَمَأنُّ؛ وتبينان له أنه يجب عليه ألا يسير وراء ما يثير الإعجاب من رواء المنظر، أو علو النسب، أو جاه دنيوي؛ بل يطلب ذات الدين أولا؛ فإنه إن استقامت الأخلاق وتلاءمت النفوس والتقت القلوب، حسنت العشرة، وقامت الأسرة على دعائم من الفضيلة والخلق الكريم، وأنبت الله لهما الذرية الصالحة نباتًا حسنا؛ وإن لم تستقم الأخلاق ولم يكن الدين، تقطعت الروابط، وكاد كل منهما لصاحبه، أو أفسد الاستهواء قلب الصالح منهما لصاحبه، فيصير [ ... ] [عدوه]، ويرين الله على قلبه، ولا يكون نبت الذرية إلا نكدا، وقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك " (١) والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.

* * *


(١) متفق عليه؛ رواه البخاري: النكاح - باب الأكفاء في الدين (٤٧٠٠)، ومسلم: الرضاع - استحباب نكاح ذات الدين (٢٦٦١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>