للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وضوح وقصد إلى المعاني من غير خطأ في الفهم، ولا غموض في الموضوع؛ وأي قارئ يقرأ كلمات: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)، ولا يفهم منها النهي عن الحال التي يتقضاها الطبع في الأحوال الاعتيادية، وأن النهي موقوت بذلك الوقت المعلوم.

والقراءة المشهورة هي بفتح الراء في (وَلا تَقْرَبُوهُنٌ) وبضم الهاء (يَطْهُرْنَ) من غير تشديد الطاء. وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية المفضل: (يطَّهَّرْن) بفتح الهاء، وتشديد الطاء.

ويذكر العلماء في مادة " قرب " أن هذا الفعل من باب كرُم، ومن باب فرح، فيقال قرب يقرب، ويقال قرب يَقرَبُ، والأول لازم والثاني متعد، والمعنى فيهما مختلف؛ فالأول يكون بمعنى الدنو، والثاني كذلك، ولكنه غلب في العرف أنه مجاز عن اللبس أي الاتصال بالشيء؛ ومن ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيم. . .)، وقوله تعالى: (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا. . .)، أي لَا يدخلوه وكذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ).

وقوله تعالى في القراءة المشهورة يطهرن يكون معناها انقطاع الدم؛ لأنه إذا كان سبب الأذى هو الدم، فانقطاعه طهور منه، فهو وصف وحال قائمة بالمرأة تثبت عند انقطاع الدم لزوال سبب النجاسة. وأما قراءة يطهرن، فمعناها يغتسلن؛ لأن التطهر غير الطهور، إذ هو فعل من المرأة نفسها منسوب حدوثه إليها؛ فهي التي تنشئه لَا أنه حال طهر يعود بعد زوال سبب النجاسة المؤقتة.

هذا تفسير بعض العلماء، وبه أخذ الحنفية. وقال آخرون وعلى رأسهم شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: إن القراءتين في معناهما واحد، وهو التطهر، فلا تعد طاهرة إلا بالاغتسال؛ وهذا ما سلكه جمهور الفقهاء غير الحنفية.

وقد انبنى على ذلك الخلاف في التفسير خلاف فقهي؛ فالحنفية قالوا: إنه بمجرد انقطاع الدم إذا كان الانقطاع لأقصى مدة الحيض وهو عشرة أيام تحل المباشرة ولو قبل الاغتسال أخذا بالقراءة المشهورة وهي قراءة (يَطْهُرْنَ) لتأكد زوال الدم،

<<  <  ج: ص:  >  >>