للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المباسطة، ليكون ما بين الرجل والمرأة فيه استرواح للنفوس، واستجمام للقلوب؛ فكلمة (أنى) معناها (كيف) أي باشروا نساءكم في موضع الحرث على أي شكل كانت المباشرة.

ويقول علماء اللغة إن (أنى) يستفهم بها وتكون بمعنى كيف، وذلك أصل استعمالها، وقد تكون مع استعمالها بمعنى كيف للمكان أيضا؛ ولذلك يقول الراغب الأصفهاني: (أنى للبحث عن الحال والمكان؛ ولذا قيل هو بمعنى أين وكيف لتضمنه معناهما؛ قال الله عز وجل: (أَنَّى لَكِ هَذَا. . .)، أي من أين وكيف لك هذا؟).

وهي هنا بمعنى كيف الذي هو أصل استعمالها. وذكر الحرث (١) في قوله سبحانه: (فَأتُوا حَرْثَكُمْ) للإشارة إلى أنه مع إباحة الاستمتاع الجسدي، والاسترواح النفسي، وإحلال المباسطة محل التكلف والتزمت، مع كل هذا لَا ينسى المقصود الأصلي، وهو أن الغاية هو النسل والقيام على شئونه وتربيته، فإذا كانت الحياة الزوجية يزول فيها كل ما يحجب الإنسان عن الإنسان من ظواهر وأشكال، فإن لذلك غايتين ساميتين:

إحداهما: النسل وتهذيبه والقيام على شئونه.

والثانية: الاستجمام والاستعداد بهذا الاستجمام للقيام بأعباء الحياة موفور القوى النفسية التي هي معين الصبر، وأساس الاحتمال.


(١) قال المصنف رحمه الله: أصحاب النفوس المنحرفة والأهواء المردية يتقولون الأقاويل، وقد انحرفوا في تفكيرهم بمقدار انحراف نفوسهم عن الفطرة القويمة، فقد زعم بعض الجهلاء الذين إيفت نفوسهم أن معنى قوله: (أَنَّى شِئْتُمْ) أي في أي مكان شِئْتُمْ في القبل أو الدبر، ولم يكتفوا بذلك الفهم الضال، بل حاولوا إسناده إلى عبد الله بن عمر، وإلى مالك، وقد كان ذلك كذبا لَا شك فيه، فقد نفاه ابن عمر نفيا باتا عندما ترامى إليه، بل إنا لَا نتصور أن شخصا مستقيم الفطرة يقوله، وكذب الثقات بالإجماع نسبته إلى مالك، والآية لَا تفيده، ولا يتصور أن تفيده، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) أي بمقتضى الفطرة والتكوين وذلك في موضع النسل؛ ولأن الله يقول: (نِسَاؤُكم حَرْث) ويكون حرثا إذا كان المقصود موضع النسل، ولأن الله يقول: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي ائتوا موضع الحرث، ولا يتصور ذلك إلا في موضع النسل، وما كان لنا أن نخوض في هذا لولا هؤلاء الذين انحرفت فطرتهم فضلَّ فهمُهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>