للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لابد إذن من التفريق بينهما؛ لأن عقد الزواج أصبح غير صالح للبقاء، ولكن من الذي يملك التفريق؛ لَا شك أنهما إن اتفقا عليه وقع الطلاق، ولا ضير في ذلك ما دام لم يكن في نوبة غضب جامحة، ولم يكن لأمر عارض، فيجب الاحتياط لذلك ما أمكن الاحتياط.

هذا إذا لم يتفقا فهل يقع الطلاق بإرادة منفردة من غير حكم قضائي؛ لقد قال بعض الذين يظنون أن في ذلك صلاحا أنهما إن لم يتفقا على الطلاق لَا يقع إلا بأمر القضاء، وإن ذلك القول له وجهته لو كانت كل أمور الأسرة يجري فيها التقاضي، ويسوغ فيها الأعلان، وأن تتكشف أسرارها بين الناس، ولكن الأمور بين الزوجين لَا تجري فيها البينات، وهي مستورة بستر الله لَا يسوغ إعلانها، وليس من مصلحة المجتمع إظهار العيوب الخاصة فيها.

وهب السبب المسوغ للطلاق هو النفرة الشديدة فكيف يمكن إثباتها؛ إنها لا تعرف إلا من صاحبها؛ لذلك لم يكن الطلاق في الإسلام في عامة أحواله بيد القضاء، بل جرى الأمر فيه على أن يكون بيد الزوج إن كان هو الراغب، وبيد القضاء إن كانت هي الراغبة فيه.

وهنا يَرِد سؤالان: أولهما: لماذا كان بيد الزوج مطلقا وبيد الأخرى مقيدًا؟

والثاني: ألا يخشى ألا تكون النفرة مستحكمة، ويطلق الزوج لنوبة غضب جامحة، وتحت تأثير هوج ليست فيه إرادة مستقيمة؟

والجواب عن السؤال الأول: أن الزوج تكلف في سبيل الزواج مالاً كثيرا، وسيعقب الطلاق تكليفات مالية أخرى، فوق ما يحمله الزواج الجديد من أعباء جديدة، فكل هذا يدفعه إلى التأني والتروي فلا يندفع وراء هوى جامح إلا إذا إيفت مشاعره، وفسدت مداركه، أما المرأة فعكس ذلك، فلو كان الطلاق بيدها من غير تدخل قضاء لاندفعت وراء هواها جامحة، ولكان في ذلك ظلم شديد على الرجل بضياع ماله، وتكليفه بأعباء مالية جديدة فكان لابد أن يتدخل القضاء ليعرف أكان

<<  <  ج: ص:  >  >>