للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا أوقع الرجل الطلاق دفعة واحدة، ولم يوقعه على ثلاث مرات، أو أوقعه في مجلس واحد متتابعا، أو أوقعه في مجالس متفرقة، فما حكمه، وما مؤداه؛ لا شك أن صريح الآية أن الطلاق لَا يقع مرة واحدة، فلا يقع الطلاق الثالث بلفظ الثلاث ثلاثًا، ولكن يقع طلقة واحدة لأنه مرة واحدة، وليس ثلاث مرات، ولكي يكون ثلالا يجب أن يكون ثلاث مرات.

وذلك لأن اقتران الطلاق بكلمة ثلاث لَا يجعله ثلاث مرات، بل إنه مرة واحدة، ولو وصفه بالمائة، كمن يقول أحلف بالله ثلاثًا، فهو يمين واحدة، وكمن يقول قرأت هذه السورة ثلاث مرات، وقد قرأها مرة واحدة، فهو كاذب.

إن كلمة المرة توجب أن يكون الطلاق في حال واحدة، ولسبب واحد، وفي مجلس واحد، ولغاية واحدة، مرة واحدة ولا يخرجه عن كونه مرة واحدة، تعدد الألفاظ في المجلس، أو لأجل السبب، أو لهذه الغاية؛ ولهذا قرر كثيرون من العلماء منهم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وطائفة من شيوخ قرطبة، منهم ابن زنباغ، ومحمد بن بقي، ومحمد بن عبد السلام، وإصبغ بن الحباب، أنه يقع واحدة، وكل أولئك قد اختاروا رأي ابن عباس.

وقد روي عن بعض الصحابة كعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن مسعود والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف، وقاله من بعدهم بعض التابعين، ثم تتابع العلماء يقولونه.

وقد روى طاووس عن ابن عباس أنه قال: كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر بن الخطاب طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر رضي الله عنه: (إن الناس قد استعجلوا في أمر لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) فأمضاه.

هذا تفسير قوله تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَان)، وهذا ما فهمه منه بعض العلماء تابعين لبعض الصحابة والتابعين، ولكن الأَئمة الأربعة يرون أن الطلاق المقترن بالعدد لفظًا أو إشارة يكون ثلاثًا أو اثنين على حسب ما اقترن به، وقد قال العلماء

<<  <  ج: ص:  >  >>