للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ووقت الإمساك أو التسريح في هذا المقام، مقام ذكر الطلاق ومراته، هو ما بعد المطلقة الأولى أو الثانية، أي أنه بعد إحدى هاتين الطلقتين، إما إمساك بمعروف، بمعنى رجعة على نية البقاء والإصلاح، واطراح أسباب النزاع والخلاف، والأخذ بالرفق والحسنى، والعيشة الهنيئة الكريمة، وإما تسريح بإحسان، بمعنى تركها حتى تنتهي عدتها، ويغني الله كل واحد عن الآخر من سعته.

فكأن هذه الجملة السامية تشير إلى ما ينبغي أن يكون في فترة الروية والتفكير، وهي الأجل الفروض الذي تتربصه المرأة بعد طلاقها، بأن يفكر في ماضي أمره، ويقدر عاقبة حاله إن أمضى الطلاق، فإن رأى أن الحسنى في الإبقاء أبقاها على نية الإصلاح من شأنه، والتقويم من معوجه، والأخذ بالرفق، وإن رأى أن الخير في التفريق فرق غير مجافٍ ولا مشاق ولا مضار، كما قال تعالى: (وَسَرِّحُوهنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا).

وعلى هذا يكون الإمساك بمعروف والتسريح بالإحسان موضعه في هذا المقام هو في وقت النظر والتروية، وإن كان الإمساك بالمعروف مطلوبا دائما.

ولقد قال بعض العلماء: إن المراد من التسريح بالإحسان هو المطلقة الثالثة؛ أي بعد الطلقتين الأوليين يتروى في الأمر فيمسك بالمعروف أو يطلق المطلقة الثالثة.

وعندي أن ذلك التخريج بعيد لوجهين:

أولهما: أن التسريح يكفي فيه بعد الطلقتين أن يسكت من غير مراجعة حتى تنتهي عدتها، ولأن الترديد بين الإمساك بالمعروف، والتسريح بالإحسان لَا يكون إلا في وقت يجوز فيه الأمران، والأنسب في ذلك ما بعد الطلاق، وهو المراجعة أو تركها، وليس المناسب في ذلك هو إرداف الطلاق بالطلاق، إن ذلك لَا يكون فيه تسريح بإحسان، بل فيه تضييق على نفسه وظلم لها، إذ قطع السبيل، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا. وفوق ذلك فيه مجافاة ومبالغة فيها بإيقاع طلاق ثان من غير حاجة إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>