للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توكل الصحابة والتابعين وثقتهم بالله]

قال الشارح رحمه الله: [ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل السم، ومنه مشي سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني رضي الله عنهم على متن البحر، قاله ابن رجب رحمه الله].

أما مشي سعد بن أبي وقاص فكان في نهر دجلة، وذلك لما كان في قتال القادسية، فإنه لما وصل إلى المدائن فر الفرس وعبروا النهر، ثم كسروا الجسور، ولم يبق جسر يعبر عليه المسلمون، فبقوا أياماً على ضفة النهر، وأولئك على الضفة الأخرى، فقال لهم سعد: إنه وقع في نفسي شيء سأقوله لكم، ولا أدري هل ستوافقونني عليه أم لا؟ قالوا: ما هو؟ قال: وقع في نفسي أننا نخوض هذا النهر، فقالوا: تقدم ونحن معك، نحن في سبيل الله، ونحن عباد الله، ولن يضيعنا ربنا، فركب فرسه وقال: اتبعوني، فركب فرسه، وقال: باسم الله، ودخل النهر في غرق، ثم تبعوه، فصارت الخيل تمشي من فوق الماء كأنها تمشي على الرمال، فلما رآهم الفرس صاروا يصيحون: مجانين! مجانين! ليسوا مجانين، وإنما هم وثقوا بالله جل وعلا، فأعطاهم ما رجوا.

وأما أبو مسلم الخولاني فليس صحابياً وإنما هو تابعي، وهو الذي قال له الأسود العنسي: أتشهد أني رسول الله؟ قال: لا أسمع، قال: أتشهد أن محمد رسول الله؟ قال: نعم.

فألقاه في النار فلم تضره، ثم جاء إلى المدينة فاستقبله عمر، وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل به كما فعل بإبراهيم، وكانت النار عليه سلاماً وبرداً كما كانت على إبراهيم.

وسار مرة وهو في الجهاد مع فريق، واعترضهم البحر، فقال: اتبعوني، فتبعوه، فصاروا يمشون على متن البحر، حتى قطعوه على خيولهم، فلما وصل إلى البر وقف وقال: هل فيكم أحد فقد شيئاً، فأدعو الله أن يأتي به، فقال رجل: أنا فقدت قعباً لي كنت أتوضأ به -وكان العقب خلف راحلته- فالتفت وإذا هو قد تعلق بناقته، وهذه قصة مشهورة، وليس معنى ذلك أن الإنسان يلقي بنفسه ويقول: أثق بالله وأتوكل عليه! لا إذا كان الإنسان عنده ثقة بالله تامة، وفي نصرة الله، وخدمة دينه وإظهاره، فتكون هذه آية من آيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي من كرامات من وقعت على يده.