للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان أن النجوم والكواكب ليست ملاصقة للسماء الدنيا، والرد على من يورد شبهاً في ذلك

قال الشارح رحمه الله: [فتأمل ما أنكره هذا الإمام مما حدث من المنكرات في عصر التابعين، وما زال الشر يزداد في كل عصر بعدهم حتى بلغ الغاية في هذه الأعصار، وعمت به البلوى في جميع الأمطار، فمقل ومستكثر، وعز في الناس من ينكره، وعظمت المصيبة به في الدين، فإنا لله وإنا إلي راجعون.

قوله: (خلق الله هذه النجوم لثلاث) قال الله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:٥]، قال تعالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:١٦].

وفيه إشارة إلى أن النجوم في السماء الدنيا، كما روى ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما السماء الدنيا فإن الله خلقها من دخان، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وزينها بمصابيح، وجعلها رجوماً للشياطين، وحفظاً من كل شيطان رجيم)].

ولا ينبغي أن يفهم أن النجوم والكواكب ملاصقة للسماء، ولا يلزم ذلك، فإن المعروف أن هناك تفاوتاً بين بعضها البعض، فبين القمر وغيره تفاوت هائل في البعد، والقرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تكون مخالفة للواقع، وبعض الناس قد يقول قولاً يظنه حقاً ويصر عليه، ويزعم أن القرآن يدل على ذلك، ولما يتثبت بعد من صحة ما فهم، فيكون في هذا فتنة له ولغيره.

فمثلاً الذي يقول: إن القمر في السماء، وإنه ملاصق لها! وقد شاهد الناس أو المختصون بهذا بعد القمر عن السماء، وأنه إلى الأرض أقرب منها إلى السماء بكثير جداً، فإذا ما سمع خبراء الفلك وعلماء الكواكب التفسير السابق المدعم بالأدلة -كما يزعم صاحبه- ظنوا أن القرآن يخالف الواقع والحقائق العلمية، وماكان كذلك فلا يكون صحيحاً.

كما أنه وجد -مثلاً- من يقول: بأن الأرض مسطحة وليست كروية، مستدلاً على ذلك بقول الله جل وعلا: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية:١٧ - ٢٠]، وقال في الآية الأخرى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:٣٠] وما أشبه ذلك، فإذا سمع الإنسان الذي يعرف كروية الأرض وليس عنده في ذلك شك فإنه سينسب الخطأ إلى القرآن، وسيقول: هذا دليل على القرآن ليس صحيحاً، ولو كان صحيحاً ما كان مخالفاً للواقع، فيكون فتنة له، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم بالشيء الذي لا يعرفه، بل يجب أن يكون كلامه عن علم ومعرفة، وألا يقول على الله جل وعلا شيئاً لا يعرف حقيقته.

فلهذا يقول العلماء: إن القول على الله بلا علم يكون أعظم من الشرك أو معادلاً له؛ لأن فيه مفاسد عظيمة: إما نسبة الباطل إلى دين الله وإلى حكمه وإلى قوله، أو نسبة الكذب إليه، نسأل الله العافية.

والمقصود: أنه ليس معنى قوله هنا: إن الكواكب في السماء الدنيا: أنها ملاصقة للسماء، فكل ما فوق الإنسان يصح أن يقال له: سماء، والشيء الذي فوقنا كله في السماء، السحاب في السماء، والهواء الذي يأتي من فوق في السماء، وكذلك النجوم وغيرها، ولكن في نظر العين إذا نظر الإنسان فوقه فإنه يرى أن الكواكب كأنها مصابيح معلقة في السماء، وهي زينة على كل حال عند النظر إليها.