للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإفراط والتفريط في محبة النبي صلى الله عليه وسلم]

قال المؤلف رحمه الله: [وقوله: (عبده ورسوله) أتى بهاتين الصفتين وجمعهما دفعا للإفراط والتفريط؛ فإن كثيراً ممن يدعي أنه من أمته أفرط بالغلو قولاً وعملاً، وفرط بترك متابعته، واعتمد على الآراء المخالفة لما جاء به، وتعسف في تأويل أخباره وأحكامه بصرفها عن مدلولها والصدوف عن الانقياد لها مع اطّراحها، فإن شهادة (أن محمداً رسول الله) تقتضى الإيمان به، وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، وأن يعظم أمره ونهيه ولا يقدم عليه قول أحد كائناً من كان، والواقع اليوم وقبله ممن يتنسب إلى العلم من القضاة والمفتين خلاف ذلك، والله المستعان.

وروى الدارمي في مسنده عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه أنه كان يقول: (إنا لنجد صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميته المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويتجاوز، ولن أقبضه حتى يقيم الملة العوجاء، بأن يُشهد ألا إله إلا الله، يفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً).

قال عطاء بن يسار: وأخبرني أبو واقد الليثي أنه سمع كعباًً يقول مثل ما قال ابن سلام].

الإفراط في الواقع: هو التجاوز في فعل الشيء إلى ما لا يشرع.

والتفريط: هو الجفاء، بأن يتركه ويجفو عنه.

ودين الله وسط بين هذين الأمرين، بين الإفراط والتفريط، فيجب أن يكون الإنسان معتدلاً لا مُفرِطاً ولا مُفرِّطاً.

والإفراط وقع فيه كثير من الناس، وكذلك التفريط وقع فيه كثير من أهل الجهل والغفلة والإعراض عن الله جل وعلا، والإفراط أيضاً يقال له: غلو.

والغلو في الشيء: هو الزيادة فيه.

فيقول المؤلف في هذا: إن هذا وقع فيه كثير من الناس، أفرطوا في محبة النبي صلى الله عليه وسلم وفرطوا في متابعته.

والواقع أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة وفرض على كل إنسان، ولكن يجب أن يميز الإنسان بين حق الله وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يخلط حق الله مع حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست محبة ذل وخضوع وعبادة، وإنما هي محبة تابعة لمحبة الله جل وعلا، فتحبه لأن الله أمرك بحبه؛ ولأنه رسول إليك أنقذك الله بسببه من الكفر، ولأن الله جل وعلا يحبه، فكل من أحبه الله يجب أن تحبه على حسب محبة الله جل وعلا له، فإذا كانت محبة الله له أتم وأكمل فيجب أن تكون محبتك إياه كذلك، وأما محبة الله فهي محبة الذل والتعظيم والإنابة، فتحبه حب عبادة، فيذل قلبك ويخضع له وتعظمه، وتكون أعمال الجوارح تابعة لهذا الذل، ومن هذا الذل وهذا الحب السجود والركوع والإنابة، وكذلك الخشية والخوف والرجاء، وكل أفعال القلب تتبع هذا، فيجب على العبد أن يفرق بين ما هو لله وبين ما هو لرسوله صلى الله عليه وسلم، فمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكملات محبة الله ومن موجباتها؛ لأنه لا يمكن إذا كان لك محبوب أن تبغض حبيبه، أو ألا تحب حبيبه، كما أنه لا يمكن أن تحب عدوه، وإلا فأنت غير موافق له وغير محب له كما ينبغي، ومحبة الله جل وعلا لا تقاس بمحبة الخلق، فكل مخلوق محبته لصفات تقوم به يتصف بها ويفعلها، وليس لأنه لحم ودم وعظام، أما محبة الله فهي محبة ذاتيه، فتحب الله لذاته جل وعلا، وكل الأمور التي يستلزمها حب المخلوق هي من دواعي المحبة ودوافعها التي تدفعك إلى أن تحبه، ولكن الله يحب لذاته؛ لأنه خلقك وأنت عبده، فيجب أن تحبه حباً خاصاً به وخالصاً له.