للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الولاء والبراء في الإسلام]

قال الشارح رحمه الله تعالى: [وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الأولى منه فقط.

قوله: (من أحب في الله) أي: أحب أهل الإيمان بالله وطاعته من أجل ذلك.

قوله: (وأبغض في الله) أي: أبغض من كفر بالله وأشرك به، وفسق عن طاعته؛ لأجل ما فعلوه مما يسخط الله وإن كانوا أقرب الناس إليه، كما قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:٢٢].

قوله: (ووالى في الله).

هذا والذي قبله من لوازم محبة العبد لله تعالى، فمن أحب فيه, والى أولياءه, وعادى أهل معصيته وأبغضهم, وجاهد أعداءه, ونصر أنصاره.

وكلما قويت محبة العبد لله في قلبه قويت هذه الأعمال المترتبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد، ويكون ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه؛ فمقل ومستكثر ومحروم.

قوله: (فإنما تنال ولاية الله بذلك) أي: توليه لعبده، و (ولاية) بفتح الواو لا غير, أي: الأخوة والمحبة والنصرة, وبالكسر الإمارة، والمراد هنا الأول، ولـ أحمد والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله, ويبغض لله؛ فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية لله)، وفي حديث آخر: (أوثق عرى الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله عز وجل) رواه الطبراني.

قوله: (ولن يجد عبد طعم الإيمان) إلى آخره.

أي: لا يحصل له ذوق الإيمان ولذته وسروره وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، أي: حتى يحب في الله, ويبغض في الله, ويعادي في الله, ويوالي فيه.

وفي حديث أبي أمامة مرفوعاً: (من أحب لله, وأبغض لله, وأعطى لله, ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان) رواه أبو داود.

قوله: (وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا, وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) أي: لا ينفعهم بل يضرهم، كما قال تعالى: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧]، فإذا كانت البلوى قد عمت بهذا في زمن ابن عباس خير القرون، فما زاد الأمر بعد ذلك إلا شدة؛ حتى وقعت الموالاة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله: (بدأ الإسلام غريباً, وسيعود غريباً كما بدأ)، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم من المهاجرين والأنصار في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما يؤثر بعضهم بعضاً على نفسه؛ محبة في الله وتقرباً إليه، كما قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:٩]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم) رواه ابن ماجة].

المؤمن يجب أن يكون ولياً لله جل وعلا، فقد والى الله جل وعلا بين عباده؛ حيث جعل بعضهم أولياء للرحمن وعباداً له، وبعضهم أولياء للشيطان وعباداً له، والفريقان بينهما معاداة ولابد, ولا يمكن أن تكون مصالحة بين أولياء الله وأعدائه من أولياء الشيطان، وقد بين ذلك جل وعلا في آيات كثيرة, وحذر من أن يركن المسلم المؤمن إلى الذين كفروا، فإنه إذا ركن إليهم مسته النار.

والولاية هي المناصرة والمودة والإخاء، والمؤمن لا يكون مؤاخياً لعدو الله ولا مناصراً له ولا مساعداً، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (اللهم إني أعوذ بك أن يكون لفاجر علي منة فيوده قلبي)، فهو يسأل ربه ألا يكون هناك سبب من الأسباب التي قد تجلب المودة للفجار، الذين هم أعداء الله جل وعلا.

وقد علم بالطبع والواقع أنه إذا كان الإنسان له صديق حميم, وهذا الصديق الحميم له عدو، فكونه يذهب يصادق عدوه فهذا منافٍِِ للمحبة، ولا يمكن وجود المحبة في مثل ذلك، بل تكون المقاطعة.

وليس بين العباد وبين الله جل وعلا صلة أو نسب إلا بطاعته واتباع أمره واجتناب نهيه، وطاعته أن يكون المؤمن متولياً لله جل وعلا والمؤمنين، يتولى الله ورسوله والمؤمنين، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة:٥٥]، هذه هي الموالاة، والموالاة أن يكون الرجل موالياً للآخر ومحباً له ومساعداً له ومناصراً له، وليس للبغضاء والعداوة مدخل فيهم إلا إذا مالوا إلى الدنيا، وتركوا هذا المبدأ، عندها يأتي الشيطان.

وسبق أن الحب لله والبغض لله تابع لمحبة الله جل وعلا، يكمل بكمال محبة العبد لله، ويضعف بضعف محبة العبد لربه جل وعلا، فكلما كانت محبة العبد لله جل وعلا أكمل فإنه يحب أهل طاعته أكثر، ويبغض أهل معاصيه ومخالفاته أكثر، وينفر منهم.

فإذا وجدت من إنسان عدم المحبة للمؤمنين وأولياء الله, فمعنى ذلك: أن محبة الله لا وجود لها, أو أنها ضعيفة لا أثر لها، وكذلك بالعكس: إذا وجدت محبة أعدائه وموالاتهم، فإما أن تكون محبة الله معدومة عند الإنسان أو تكون ضعيفة ليس لها أثر، وإذا كانت ضعيفة قد تنفع وقد لا تنفع، وإذا رجع إلى ربه جل وعلا وتاب وأقلع عما هو فيه؛ فالله كريم، يقبل توبة عبده إذا تاب، أما إذا بقي على ذلك فهذه ظاهرة مخالفة لله جل وعلا، وكم جاء في القرآن التحذير من هذا، آثات كثيرة جداً، وتقدم أن من علامة ولاية الله أن يبغض العبد كل من كان عدواً لله ولو كان أباه أو ابنه أو زوجه أو أخاه.

هذا لو كان أقرب الناس إليه فكيف بالأبعدين؟! فهذا أمر لازم، وليس هذا من باب الاستحباب بل الوجوب الذي هو من الإيمان بالله جل وعلا، ولهذا قال الله جل وعلا الإيمان وقال: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:٢٢].