للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان عظم الخوف من الله تعالى وأقسامه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥]].

لما ذكر المؤلف رحمه الله وجوب محبة لله جل وعلا، وأن حب العبادة يجب أن يكون خالصاً لله؛ ذكر أن من لوازم حب الله جل وعلا -حب العبادة والخضوع- أن يحب الإنسان ما يحبه الله، وأعظم ذلك حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر أن من لوازمه أيضاً: أن يبغض ما يبغضه الله من الأعيان والأفعال، كالأشخاص والمعاصي، ولما ذكر أن هذا واجب أراد أن يبين أن الخوف يجب أن يكون لله ومن الله وحده؛ لأن الخوف من أعظم المقامات -مقامات الإيمان- التي أوجبها الله جل وعلا؛ فيجب إخلاصه لله، ومن أشرك فيه مع الله غيره فإنه لا يكون مخلصاً في التوحيد، بل يكون توحيده ناقصاً - لذهاب كماله الواجب- أو معدوماً، ولهذا ذكر الآية: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥] (إن) هنا: شرطية، والمعنى: إن كان عندكم إيمان يلزم أن تكون هذه صفتكم وهذا شأنكم.

كما قلنا: لما كان الخوف من أعظم مقامات الإيمان, وهو خصلة عظيمة وواجبة على الإنسان أراد المؤلف أن يبين وجوب إخلاصها لله، ولا يجوز أن يشرك معه فيه أحد من الخلق.

هذا مقصود الباب؛ لأن المؤلف رحمه الله سبق أن ذكر أن التوحيد: هو معنى لا إله إلا الله، وبين معناها، وقال بعد ذلك: (وشرح هذا في الأبواب التي بعده)، أي: الأبواب التي جاءت في الكتاب هي شرح لتلك الترجمة؛ فمرة يذكر ما يجب من حقوق هذه الكلمة، ومرة يذكر ما هو خادش لمعناها، أو منافٍ لشيء من شروطها أو أركانها أو واجباتها.

والخوف من أركان لا إله إلا الله، ولهذا يقول العلماء: يجب على المسلم المؤمن أن يكون دائماً خائفاً من ربه، راجياً لرحمته، فالخوف عند المخالفة والتقصير، والله جل وعلا قد أثنى على عباده الذين يخافونه في آيات كثيرة.

قوله: (إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه)، والمعنى: يخوفكم أولياءه، يعني: يعظمهم في صدوركم ويكبرهم، ويقول: إنهم ذوو بأس ولهم شدة، وعندهم قوة، ولهم كثرة وأنصار تخافونهم، هكذا يقول الشيطان، والله يقول: (فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين)، و (إن) هنا كما سبق شرطية، يعني: إن كان الإيمان مستقراً في نفوسكم فلتمتثلوا هذا الأمر، ومعنى ذلك: أن من لم يكن خائفاً من الله جل وعلا، لا يكون عنده الإيمان الذي أوجبه الله جل وعلا، هذا معنى قوله: (إن كنتم مؤمنين).

ثم جاء في آيات كثيرة الثناء على الخائفين {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٤٠ - ٤١]، وقوله: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:٤٦]، وكذلك يقول جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨]، ويقول: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:٣٩] , والخشية هي: الخوف، وكذلك أخبر جل وعلا أن من كان يخاف ربه؛ فإن الله يجعل له من جميع ما يكيده مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب.