للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى تسبيع الأرض]

قوله: (والأرضين السبع) جعل الأرضين سبعاً، وقد اختلف العلماء في كون الأرض سبعاً ما معناه؟ فمنهم من يقول: إن الأرضين سبع مفتوقة، وكل أرض فيها سكان، ومعنى أنها مفتوقة أن كل واحدة تحت الأخرى وبينها وبين التي فوقها فضاء إلى سبع طبقات في الأرض.

وهذا قول مرجوح، وقد جاء عن ابن عباس أثر في ذلك وعن غيره، والظاهر أن الذي جاء عن ابن عباس مأخوذ عن أهل الكتاب من خرافاتهم التي لا يجوز تصديقها، وإنما الصواب أن الأرضين السبع طبقات غير مفتوقة، فالأرض سبع طبقات كل طبقة تحت الأخرى، ولكن ليس بينها فضاء، وقد قال بعض العلماء: المقصود بسبع أراضين السبعة الأقاليم.

يعني القارات السبع، فكل قارة تسمى أرضاً، وهذا ليس بشيء.

وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين) ومعنى هذا أنه يجعل طوقاً له بالسبع الطبقات، فتأتي واحدة تحت الأخرى، ومركز الأرض هو أسفل هذه الطبقات، ومركز الأرض نار تلتهب، ونار شديدة جداً.

ولهذا يري الله جل وعلا عباده من ذلك بعض الآيات تخويفاً، فقد يخرج من البراكين التي ترى من قعر الأرض نيران لا تطاق تذيب الصخور، ولا يمكن أن يقوم لها شيء، وهذا في الأرض كلها، فمركز الأرض الأسفل كله نار تلتهب، وهذا يجده الناس ويشاهدونه، فإذا حفروا فكلما نزلوا اشتدت الحرارة، إلى أن يصلوا إلى مكان لا أحد يستطيعه من شدة حرارته، ثم تكون النار الملتهبة.

فالمقصود أن الأرضين السبع معناها طبقات سبع خلقها الله جل وعلا، طبقات الواحدة فيها مميزة عن الأخرى، ولا يلزم أن يكون لها فتوق وبينها فضاء، بل كلها واحدة فوق الأخرى بدون فضاء، ولكنها تتغير عن التي فوقها، فهي سبع.

ولهذا لما جاء ذكر الأراضين في القرآن فذكر تعالى أنه خلق سبع سماوات قال: {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:١٢] أي: طبقات سبع.

ولا يلزم أن يكون بينها وبين الأخرى فضاء مثل الذي بين السماء والأرض، فإن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء والتي فوقها مسيرة خمسمائة عام.

أما الأرض فهي مثل البيضة في قلب السماء، والسماء تحيط بها من جميع الجهات -أي: السماء الدنيا-، والسماء التي فوقها كذلك تحيط بالسماء الدنيا من جميع الجهات، والواقع أنه ليس هناك جهات حقيقة إلا جهة الفوقية والسفل فقط، ولهذا تكون السماء دائماً فوق الأرض، ولا يتصور أن السماء تكون تحت الأرض أبداً وإن كانت محيطة بها من جميع الجهات، ولكن الإنسان أينما كان فالسماء فوقه، فأينما كان من الأرض فالسماء فوقه دائماً.